للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

في موطن من مواطن الخوف أخذ للأمر عدته فبعث أحد صعاليكه فوق مرقبة عالية يرقب لهم الطريق، بينما يشتغل الباقون في تهيئة طعام الجماعة أو في غير ذلك من الأعمال١.

وقد رأينا في تفسيرنا الجغرافي لظاهرة الصعلكة أن حركات عروة وصعاليكه قد تركزت في شمالي الجزيرة العربية حول منطقة يثرب، وأنها كانت تمتد إلى منطقة نجد أحيانا، ومن هنا نشأت طائفة من الصلات الاقتصادية بينه وبين بني النضير الذين كانوا ينزلون في تلك المنطقة فكانوا "يقرضونه" إن احتاج ويبايعهم إذا غنم"٢.

هكذا سلك عروة سبيله في الحياة، يسلب الأغنياء أموالهم ليوزعها على الفقراء، وفقا لفلسفة معينة عبر عنها في شعره أصدق تعبير، حتى أصبح شعره نبراسا يهتدي به قومه، أو يأتمون به -على حد تعبير الحطيئة في حديثه مع عمر بن الخطاب٣.

وأساس فلسفة عروة أن "الغزو والإغارة للسلب والنهب" السبيل الوحيد للغنى لمن هو في مثل حالته:

ومن يك مثلي ذا عيال ومقترا ... من المال يطرح نفسه كل مطرح٤

وما صاحب الحاجات من كل وجهة ... من الناس إلا من أجد وشمرا٥

وليس وراء ذلك سوى إحدى نتائج ثلاث: نجاح الغزوة أو إخفاقها أو الموت في سبيلها، أما إن كانت الأولى فقد حقق أهدافه وجاء الغنى معها، وأما إن كانت الثانية فقد أبلغ نفسه عذرها، "ومبلغ نفس عذرها مثل منجح"، وأما إن كانت الثالثة فالموت خير من حياة الفقر والجوع والذل والهوان:


١ انظر أبياته التي يرسم فيها هذه الصورة في ديوانه/ ١١١، ١١٢.
٢ الأغاني ٣/ ٧٦.
٣ المصدر السابق/ ٧٤.
٤ ديوانه/ ٩٩. وحماسة أبي تمام ٢/ ٧.
٥ ديوانه/ ١٩١.

<<  <   >  >>