للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

ذلك الدعاء الصادق الصادر من أعماق نفسه:

جزى الله خيرا عن خليع مطرد ... رجالا حموه آل عمرو بن خالد

وما له لا يدعو لهم وقد آووه، وعطفوا عليه، ونصروه بعزهم وشرفهم وبأبنائهم الأبطال الأمجاد:

وقد حدبت عمرو علي بعزها ... وأبنائها من كل أروع ماجد

وهو لهذا يُعلن على الملأ أن هؤلاء القوم الذين لجأ إليهم، إنما هم الأصحاب والأهل والثروة والنصر:

أولئك إخواني وجل عشيرتي ... وثروتهم والنصر غير المحارد١

بل إن أبا الطمحان يعلن أنه قد نسي أهله في جوار من استجار بهم بعد خلعه، وأصبح كأنه واحد منهم حتى لقد عرفت كلابهم ثيابه فما تهر عليه:

وقد عرفت كلابهم ثيابي ... كأني منهم ونسيت أهلي٢

ولا ينسى الصعاليك الخلعاء خلع قبائلهم لهم حتى في آخر لحظات حياتهم، حين يمر بهم ماضيهم الحافل بالمغامرة والكفاح، فإذا قصة الخلع هي الحد الفاصل بين حياتين، والسر الأول في تلك الحياة القاسية التي عاشوها، والتي يودعونها في هذه اللحظات. هذا قيس بن الحدادية يقاتل أعداءه الذين تكاثروا عليه حتى قُتل وهو يرتجز ذاكرا أول ما يذكر قصة خلعه وبغض أهله له.

نا الذي تخلعه مواليه ... أوكلهم بعد الصفا قاليه

وكلهم يقسم لا يباليه٣

وإذا كان الصعاليك الخلعاء والشذاذ قد صوروا في شعرهم هذه العقد النفسية التي كان منشؤها انقطاع الصلة بينهم وبين قبائلهم، فإن الصعاليك الأغربة لم يتحدثوا في شعرهم عن ظاهرة اللون التي كانت عقدة العقد في حياتهم، التي كانت سببا في انعدام التوافق الاجتماعي بينهم وبين قبائلهم، وفيما عدا


١ الأغاني ١٣/ ٥ "بولاق" - المحارد: من حاردت الناقة إذا انقطعت ألبانها أو قلت.
٢ الجاحظ: الحيوان ١/ ٣٨٠.
٣ الأغاني ١٣/ ٨ "بولاق". وابن حبيب: من نُسب إلى أمه من الشعراء/ ٦.

<<  <   >  >>