حركات الصعاليك، فرأينا أن عروة وصعاليكه قد توزع نشاطهم بين منطقتين أساسيتين: منطقة نجد، ومنطقة يثرب وما يجاورها شمالي جزيرة العرب، وإن لم يمنع هذا من أن يغير أحيانا على غير مناطق اختصاصه، ورأينا أن منطقة جبال السراة فيما بين مكة والطائف وأول الطريق الصاعد إلى اليمن هي المنطقة التي شهدت أكبر عدد من صعاليك العرب، وأن أشهر الصعاليك الذين انتشروا في هذه المنطقة صعاليك فهم وهذيل ومن انضم إليهم من خلعاء القبائل وشذاذها، ورأينا أن منطقة اليمن عرفت أجزاؤها القريبة من الحجاز صعاليك من فهم ومن الأزد، وأما أجزاؤها البعيدة فقد تخصص في الإغارة عليها السليك، وإن يكن تأبط شرا يتعدى أحيانا على منطقة اختصاص السليك. ولفت نظرنا في صعاليك هاتين المنطقتين أن أكثرهم -إن لم يكونوا جميعا- من العدائين، وقد رددنا هذا إلى ثلاثة عوامل، طبيعة المنطقة الجبلية، وبعد الأهداف، وقلة الخيل. ثم وقفنا عند هذه الظاهرة، ظاهرة شدة العدو، وقلنا إنها ليست بالظاهرة المستحيلة، وإنما هي صورة من صور التكيف العضوي بين الإنسان وبيئته.
ثم مضينا إلى المجتمع الجاهلي نلتمس فيه تفسيرا لظاهرة التصعلك، فرأينا أنه مجتمع قبلي، آمنت كل قبيلة فيه بوحدتها الاجتماعية وبكرم جنسها، ورأينا أن إيمان القبيلة بوحدتها أوجد طائفة الخلعاء والشذاذ في هذا المجتمع، وأن إيمانها بجنسها أوجد طائف الهجناء والأغربة، وأن المتمردين من هاتين الطائفتين من شتى القبائل قد اجتمعوا في عصابات من صعاليك العرب، كافرين بالعصبية القبلية، مؤمنين بعصبية مذهبية، معتمدين على قوتهم في سبيل العيش، شأنهم في ذلك شأن المجتمع الذي يعيشون فيه، غاية ما في الأمر أن عملهم فردى يجري بدون رضا القبيلة، وعمل القبائل جماعي معترف به.
ثم مضينا إلى الناحية الاقتصادية في هذا المجتمع فرأينا أن الجزيرة العربية كانت منذ أقدم العصور ممرا تجاريا نشطا لطرق القوافل، وأنه على طول هذه الطرق قامت مجموعة من الأسواق. ورأينا أن مراكز نشاط الصعاليك كانت