للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

نفسها، وإذا كانت أمه وخالته سبب ما يلاقيه في حياته فإن رجليه سبب إنقاذه مما يلاقيه فيها:

فدى لكما رجلي أمي وخالتي ... بسعيكما بين الصفا والأثائب١

وعلى ما في أحاديث هذا العدو في أخبار الصعاليك وشعرهم من مبالغات يقف المرء عندها متسائلا: أيمكن أن يكون هذا صحيحا؟ فإنها -على كل حال- تصور ظاهرة لا شك في حقيقتها المجردة، وهي أن هؤلاء الصعاليك كانوا يمتازون بسرعة في العدو خارقة للعادة، وهي سرعة لفتت أنظار الرواة فسجلوها بما فيها من مبالغات، واستقرت في أذهان الناس فضربوا بها الأمثال، ووجد فيها بعض الشعراء المتأخرين مادة يستغلونها في فنهم، ويستخدمونها في تشبياتهم وصورهم الفنية٢.

وينظر هؤلاء الصعاليك الأقوياء إلى المجتمع الذي يعيشون فيه، فإذا هو مجتمع ظالم، وإذا توزيع الثروة فيه توزيع جائر مضطرب. إنه مجتمع لا يؤمن إلا بالمال، ولكنه -مع ذلك- لا يحسن توزيع المال بين أفراده، فليس من العدل أن يكون لأحد أفراده عدد ضخم من الإبل في حين لا يملك الآخر غير حبل يجرره لا بعير فيه. وما هذه الإبل التي يملكها هذا الفرد سوى إبل الله خلقها للناس جميعا، فهي ليس حقا له وحده دون غيره من خلق الله في هذه الأرض٣.

والعجيب من أمر هذا المجتمع أن بين من يعطيهم بغير حساب بخلاء


١ الأغاني ١٢/ ٥٢ "بولاق" - وحاجز من أغربة العرب سرى إليه السواد من أمه "تاج العروس، مادة "غرب"" والأثائب: شجر ينبت في بطون الأودية.
٢ انظر على سبيل المثال: وصف جران العود للقوادة "ابن قتيبة: الشعر والشعراء/ ٤٥٢"، ووصف البحتري للمفازة "ديوانه/ ٧٣"، ووصف ابن الرومي لشهر الصيام "ديوانه ١/ ٧٧".
٣
وإني لأستحيي لنفسي أن أرى ... أمر بحبل ليس فيه بعير
وأن أسأل العبد الليئم بعيره ... وبعران ربي في البلاد كثير
"الأحيمر السعدي في الشعر والشعراء/ ٤٩٥".

<<  <   >  >>