من أحاديث، حتى لتوشك أن تكون هي اللون البارز في لوحة حياتهم الاجتماعية والفنية.
ففي أخبار السليك أنه "أملق حتى لم يبق له شيء، فخرج على رجليه رجاء أن يصيب غرة من بعض من يمر به فيذهب بإبله، حتى أمسى في ليلة من ليالي الشتاء باردة مقمرة. فاشتمل الصماء، ثم نام ... فبينما هو نائم إذ جثم رجل فقعد على جنبه فقال: استأسر"، وسأله السليك من يكون، فقال له:"أنا رجل افتقرت، فقلت لأخرجن فلا أرجع إلى أهلي حتى أستغني، فآتيهم وأنا غني"، فقال له السليك: انطلق معي: "فانطلقا معا، فوجدا رجلا قصته مثل قصتهما، فاصطحبوا جميعا، حتى أتوا الجوف، جوف مراد، فلما أشرفوا عليه إذا فيه نعم قد ملأ كل شيء من كثرته، فهابوا أن يغيروا"، ولكن السليك دبر لهم حيلة "فأطردوا الإبل، فذهبوا بها، ولم يبلغ الصريخ الحي حتى فاتوهم بالإبل"١.
إنها قصة تصور لنا تلك الهوة الواسعة بين الطبقات في المجتمع الجاهلي: بين أولئك الذين "أملقوا حتى لم يبق لهم شيء"، وأولئك الذين أترفوا حتى "ملا نعمهم كل شيء من كثرته"، وهي قوة كانت تدفع هؤلاء الصعاليك المعدمين للخروج إلى الصحراء من أجل اغتصاب رزقهم من أيدي أولئك المترفين، وانتزاع لقمة العيش من بين أنيابهم، أو -بعبارة أخرى- كانت تدفعهم إلى "الغزو والإغارة للسلب والنهب".
وفي أخبار تأبط شرا أنه خرج في "عدة من فهم" يريدون الغارة على أحد أحياء بجيلة. وتمت الغارة بقتل نفر من بجيلة، ونهب إبل لهم. وساق الصعاليك الإبل حتى إذا كانوا "على يوم وليلة من بلادهم" تصدت لهم خثعم طامعة فيما معهم، ودار قتال بين الفريقين: صعاليك فهم العائدين بغنيمتهم، ورجال خثعم الطامعين فيها. وثبت الصعاليك -على قلتهم وكثرة خثعم- وانتهى
١ الأغاني ١٨/ ١٣٤، وابن قتيبة: الشعر والشعراء/ ٢١٤-٢١٥ مع اختلاف يسير في ألفاظ القصة.