للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وقد يحدث أن تتطور هذه الأهداف الاجتماعية والاقتصادية عند بعض الصعاليك إلى لون من التمرد الخالص الذي لا يميز بين الأهداف، فإذا هم يتعرضون لكل من يسوقه حظه السيئ إلى مناطق تربصهم. يقول تأبط شرا معبرا عن هذا التمرد الخالص الذي أصبح عنده الوسيلة والغاية معا:

ولست أبيت الدهر إلا على فتى ... أسلبه أو أذعر السرب أجمعا١

أو يناضلون قبائل معينة العداء، يصبون عليها شرورهم، ويوجهون إليها غاراتهم وغزواتهم، كما كان يفعل تأبط شرا مع تلك المجموعة من القبائل التي يعددها في بعض أبياته٢، وكما كان بين صعاليك هذيل وصعاليك فهم من عداوة مستحكمة لا يهدأ أوارها، ظهرت آثارها في شعر الفريقين وأخبارهما٣.

وفي شعر الصعاليك صورة كثيرة متعددة الألوان والأوضاع لهذه الغارات، وأحاديث عنها لا تكاد تنتهي حتى تبدأ، وفي أكثر قصائد هذا الشعر ومقطوعاته يردد الصعاليك أقاصيص هذه الغارات في فخر وإعجاب، واعتداد بأنفسهم وبطولتهم. وفي تائية الشنفرى المفضلية صورة رائعة قوية لغارة قام بها هو وأصحابه الصعاليك، يصف فيها كيف أعد عصابته للغزو، ويصف الطريق الذي سلكوه، ويتحدث عن الدوافع التي دفعته إلى هذه الغارة، ثم يتحدث عن الأهداف التي حققتها، والغايات التي وصلت إليها. يقول:

وباضعة حمر القسي بعثتها ... ومن يغز يغنم مرة ويشمت

خرجنا من الوادي الذي بين مشعل ... وبين الجبا. هيهات أنشأت سربتي

أمشي على الأرض التي لن تضرني ... لأنكى قوما أو ألاقي حمتي

أمشي على أين الغزاة وبعدها ... يقربني منها رواحي وغدوتي

ثم يقول:

قتلنا قتيلا مهديا بملبد ... جمار مني وسط الحجيج المصوت


١ الأغاني ١٨/ ٢١٧.
٢ المصدر السابق/ ٢١٨.
٣ انظر على سبيل المثال شرح أشعار الهذليين ١/ ٢٣٣، ٢٣٤، ٢٤٣، ٢٤٥.

<<  <   >  >>