للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

أو يستجديهم فضل مالهم، ثم يموت فقيرا، وأما الدائرة الاجتماعية فتتسع وتبعد عن نقطة البدء لتنتهي، أو لتحاول أن تنتهي، بعيدا عنها، يبدأ الصعلوك فيها فقيرا، ثم يحاول أن يتغلب على الفقر الذي فرضته عليه أوضاع اجتماعية أو ظروف اقتصادية. وأن يخرج من نطاقه ليتساوى مع سائر أفراد مجتمعه، ولكنه -من أجل هذه الغاية- لا يسلك السبيل التعاوني. وإنما يدفعه "لا توافقه الاجتماعي" إلى سلوك السبيل الصراعي، فيتخذ من "الغزو والإغارة للسلب والنهب" وسيلة يشق بها طريقه في الحياة، فيصطدم بمجتمعه الذي يرى في هذه الفوضوية الفردية مظهرا من مظاهر التمرد. وتنقطع الصلة بين المجتمع والصعلوك، فيتخلى المجتمع عنه، ويحرمه حمايته، ويعيش الصعلوك خليعا مشردا، أو طريدا متمردا، حتى يلقى مصرعه، فأما أعداؤه فقد استراحوا من هذا الفزع الذي كانوا يترقبونه في كل حين، كما يترقب غائبا منتظرا أهله -على حد تعبير عروة- وأما أصدقاؤه فقد سقط أحدهم في سبيل فكرته بعد أن أدى رسالته في هذه الحياة.

وإذا كنا قد وصلنا إلى هذه النتيجة عن طريق استعراض هذه الظاهرة في مصدرها الأول، وهو المجتمع الجاهلي، فإن في صنيع اللغويين ما يؤيدنا فيما وصلنا إليه، حيث أشاروا إلى جانب خاص من المادة اللغوية عبروا عنه بصعاليك العرب، ولنا إذن أن نقول: إن ما عبر عنه اللغويون "بصعاليك العرب" هو ما نعبر عنه "بصعاليك الدائرة الاجتماعية".

وإذ نلاحظ أن المتصلين بمشكلة الفقر والغنى وتوزيع الثروة في المجتمع الجاهلي قد أشاروا على ألسنة شعرائهم إلى طائفتين من الصعاليك، فمدحوا إحداهما "لله هي"، وذموا الأخرى "لحاها الله"١، نستطيع أن نقول في ضوء هذه النتيجة التي وصلنا إليها إن هناك نوعين من الصعاليك:

الصعلوك العامل وهو الذي يمثل صعاليك الدائرة الاجتماعية.

والصعلوك الخامل وهو الذي يمثل صعاليك الدائرة اللغوية.


١ انظر رائية عروة في ديوانه/ ٧٣-٨٢، وميمية حاتم الطائي في ديوانه/ ٢٥.

<<  <   >  >>