للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

هذه المنطقة أحيانا، ففي أخباره أنه خرج يوما "يريد الغارة فلقي سرحا لمراد فأطرده، ونظرت به مراد، فخرجوا في طلبه فسبقهم إلى قومه"١.

وكان السليك يعد العدة لتلك الغارات البعيدة التي يضطر معها إلى اختراق المفازة المهلكة التي توصل إلى اليمن، فكان، أولا، لا يغير إلا في الصيف حينما تنقطع إغارة الخيل٢، فيضمن بهذا عدم تعرضه لمطاردات الخيل البعيدة المدى، وهو لا يملك إلا قدميه يعدو بهما، ثم كان، ثانيا، يدير "موارد تموينه" في طريق غزواته الجدب، فكان "في الربيع يعمد إلى بيض النعام، فيملؤه من الماء، ويدفنه في طريق اليمن في المفاوز، فإذا غزا في الصيف مر به فاستأثره"٣، وكان يعتمد في هذا على خبرته الواسعة بمجاهل الصحراء، فقد كان -كما يصفه الرواة- "أدل من قطاة، يجيء حتى يقف على البيضة"٤.

والشيء الذي يلفت النظر في صعاليك هاتين المنطقتين الأخيرتين: منطقة السراة الممتدة من مكة حتى أول الطريق الصاعد إلى اليمن، ومنطقة السراة بعد ذلك حتى اليمن، هو أن أكثرهم -إن لم يكونوا جميعا- من العدائين الرجليين الذين يعدون على أرجلهم، فيسبقون الخيل، وقد رأينا أن المثل في سرعة العدو يضرب باثنين منهم هما السليك والشنفرى، وأن الأصمعي يذكر أن في هذيل وحدها أربعين من هؤلاء العدائين، ويذكر السكري "أن هذيلا ليسوا بأصحاب دواب، وإنما هم رجالة"٥، وديوان الهذليين ناطق بكثرة عدد هؤلاء العدائين الذين كانوا يعتمدون على العدو في غاراتهم وفي فرارهم، وتشهد بهذا أيضا حماسة البحتري٦.


١ الأغاني ١٨/ ٢١٦.
٢ المصدر السابق/ ١٣٣، ١٣٤.
٣ المصدر السابق/ ١٣٥.
٤ المصدر السابق /١٣٤.
٥ ديوان الهذليين ٢/ ٧٦.
٦ انظر الباب الخامس والعشرين "فيما قيل في الفرار على الأرجل" / ٦٣-٦٩.

<<  <   >  >>