قال أبو الخطاب: ويحتمل جواز بيعه؛ لأنه له، فإن سبق غيره فأحياه ففيه وجهان: أحدهما: إنه يملكه؛ لأن الإحياه يملك به، والحجر لا يملك به، فثبت الملك بما يملك به دون ما لم يملك به، كمن سبق إلى معدن أو مشرعة ماء، فجاء غيره فأزاله وأخذه. والثاني: لا يملكه؛ لأن مفهوم قوله -عليه السلام: "من أحيا أرضًا ميتة ليست لأحد" وقوله في مسلم: "فهي له" إنَّها لا تكون له إذا كان لمسلم فيها حق، وكذلك قوله: "من سبق إلى ما لم يسبق إليه مسلم فهو أحق به" وروى سعيد في سننه أن عمر -رضي الله عنه- قال: من كانت له أرض -يعني: من تحجر- أرضًا فعطلها ثلاث سنين، فجاء قوم فعمروها فهم أحق بها. وهذا يدل على أنَّ من عمَّرها قبل ثلاث سنين لا يملكها؛ لأنَّ الثاني أحيا في حق غيره فلم يملكه، كما لو أحيا ما يتعلق به مصالح ملك غيره، ولأنَّ حق المتحجّر أسبق، فكان أولى كحق الشفيع يقدم على شراء المشتري، فإن طالت المدة عليه فينبغي أن يقول له السلطان: إمَّا أن تحييه أو تتركه ليحييه غيرك؛ لأنه ضيق على الناس في حق مشترك بينهم، فلم يمكن من ذلك، كما لو وقف في طريق ضيق أو مشرعة ماء أو معدن لا ينتفع ولا يدع غيره ينتفع، فإن سأل الإمهال لعذر له أمهل الشهر والشهرين ونحو ذلك، فإن أحياه غيره في مدّة ضربت له لينقطع حقه بمضيها، وسواء أذن له السلطان في عمارتها أو لم يأذن له، وإن لم يكن للمتحجّر عذر في ترك العمارة قيل له: إمَّا أن تعمّر وإمَّا أن ترفع يدك، فإن لم يعمرها كان لغيره عمارتها، فإن لم يقل له شيئًا واستمرَّ تعطيلها فقد ذكرنا عن عمر -رضي الله عنه- أنَّ من تحجَّر أرضًا فعطلها ثلاث سنين، فجاء قوم فعمروها فهم أحق بها، ومذهب الشافعي في هذا كله نحو ما ذكرنا. [المغني: ٥/ ٣٣١] .