فإن علموا بالإقطاع والهبة قبل الفتح فليس لهم المطالبة بعِوَض ما استقطع ووهب؛ وإن لم يعلموا حتى فتحوا عاوضهم الإمام عنه بما يستطيب به نفوسهم، كما يستطيب نفوسهم عن غير ذلك من الغنائم. وقال أبو حنيفة: لا يلزمه استطابة نفوسهم عنه ولا عن غيره من الغنائم إذا رأى المصلحة في أخذها منهم.
والضرب الثاني: من العامر ما لم يتعيّن مالكوه ولم يتميّز مستحقوه، وهو على ثلاثة أقسام:
أحدها: ما اصطفاه الإمام لبيت المال من فتوح البلاد، إمَّا بحق الخمس فيأخذه باستحقاق أهله، وإمَّا بأن يصطفيه باستطابة نفوس الغانمين عنه، فقد اصطفى عمر بن الخطاب -رضي الله عنه- من أرض السواد أموال كسرى وأهل بيته، وما هرب عنه أربابه أو هلكوا، فكان مبلغ غلتها تسعة آلاف ألف درهم، كان يصرفها في مصالح المسلمين، ولم يقطع شيئًا منها، ثم إنَّ عثمان -رضي الله عنه- أقطعها؛ لأنه رأى إقطاعها أوفر لغلتها من تعطيلها، وشرط على من أقطعها إياه يأخذ منه حق الفيء، فكان ذلك منه إقطاع إجازة لا إقطاع تمليك، فتوفَّرت غلتها حتى بلغت على ما قيل: خمسين ألف ألف درهم، فكان منها صلاته وعطاياه، ثم تناقلها الخلفاء بعده، فلمَّا كان عام الجماجم سنة اثنتين وثمانين في فتنة ابن الأشعث أحرق الديوان وأخذ كل قوم ما يليهم، فهذا النوع من العامر لا يجوز إقطاع رقبته؛ لأنه قد صار باصطفائه لبيت المال ملكًا لكافة المسلمين، فجرى على رقبته حكم الوقوف المؤبَّدة، وصار استغلاله هو المال الموضوع في حقوقه.
والسلطان فيه بالخيار على وجه النظر في الأصلح بين أن يستغلَّه لبيت المال كما فعل عمر -رضي الله عنه، وبين أن يتخيّر له من ذوي المكنة والعمل من يقوم بعمارة رقبته بخراج يوضع عليه مقدَّر بوفور الاستغلال، ونقصه كما فعل عثمان -رضي الله عنه، ويكون الخراج أجرة تصرّف في وجوه المصالح، إلَّا أن يكون مأخوذًا بالخمس فيصرف في أهل الخمس، فإن كان ما وضعه من الخراج مقاسمة على الشطر من الثمار والزروع جاز في النخل، كما ساقى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أهل خيبر على النصف من ثمار النخل، وجوازها في الزرع معتبر باختلاف