ويمكن أن نزيد في إيضاحها هنا من حيث هي عمل فكرة (الإسلام) ذاتها في الوسط المسلم، ونريد أن نبين كيف يتم تكييف الفكرة الدينية للطاقة الحيوية، وإخضاعها لنظامها. ولذا يتعين علينا اللجوء إلى لغة التحليل النفسي بغية تتبع اطراد الحضارة، باعتباره صورة زمنية للأفعال وردود الأفعال المتبادلة، والتي تتولد منذ بداية هذا الاطراد بين الفرد والفكرة الدينية التي تثير فيه الحركة والنشاط.
فعندما نعد الفرد عند نقطة الصفر في الصورة التخطيطية التي قدمناها، نجده في الحالة التي يطلق عليها بعض المؤرخين المسلمين كلمة:(الفطرة) أي مع جميع غرائزه كما وهبته إياها الطبيعة، فالفرد في هذه الحالة ليس في أساسه إلا (الإنسان الطبيعي).
غير أن الفكرة الدينية سوف تتولى إخضاع غرائزه لعملية تكييف تمثل ما يعرف في علم النفس (الفرويدي) بـ (الكبت). وليس من شأن هذه العملية القضاء على الغرائز، ولكنها تتولى تنظيمها في علاقة وظيفية مع مقتضيات الفكرة الدينية، فالحيوية الحيوانية الممثلة في الغرائز بصورة محسة لم تلغ، ولكنها خضعت لقواعد نظام معين.
في هذه الحالة يتحرر الفرد جزئياً من قانون الطبيعة المفطور في ذاته، ويخضع وجوده كله للمقتضيات الروحية التي أوجدتها الفكرة الدينية في نفسه، إيجاداً يمارس معه حياته في هذه الحالة الجديدة طبقاً لقانون الروح.
وهذا القانون عينه هو الذي كان يحكم بلالاً تحت سياط العذاب، فيرفع سبابته وهو يقول:((أحد! أحد!)). ومن الواضح أن هذه القولة لا تمثل صيحة الغريزة، فموت الغريزة قد صمت، ولكنه لا يمكن أن يكون قد ألغي بوساطة التعذيب، كما أنها لا تمثل نداء العقل فالألم لا يتعقل الأمور.