للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ص:  >  >>

بالقدر الذي تكون عليه أمية الاستفزاز وخطورته، فهناك تناسب بين طبيعة الاستفزاز وبين الموقف الذي يتخذه الضمير في مواجهته.

وعلى هذا فلو افترضنا ان التحدي كان ضعيفاً ضعفاً لم يصل إلى مستوى معين، فإن (الإجابة) عليه ستكون هي أيضاً ضعيفة، وبعبارة أخرى، لا ضرورة لهذه (الإجابة)، وبذلك يفقد التحدي معناه بوصفه عاملاً في إحداث التغيير الاجتماعي.

فهناك إذن حد يبدأ منه ما أطلق عليه توينبي (التحدي المناسب) الذي يستلزم نشوء (إجابة) كافية لتحريك أسباب التغيير.

ثم إن فاعملية الإجابة تنمو متناسبة مع قيمة التحدي، حتى يصل إلى حد معين، فإن استمر في نموه فإنه يصبح منعدم التأثير، لأنه ينصب أمام الضمير استحالة ليس في طوقه أن يحلها. فالإجابة في مثل هذه الحال تصبح عديمة الجدوى.

وهكذا يضع توينبي التغيير الاجتماعي بين حدين، لا يتم خارج نطاقهما، وذلك في حالة شبيهة بالتفريط تنشأ من نقص في التحدي، أو شبيهة بالإفراط تنشأ عن زيادته على قدر معين.

وبهذه الطريقة يفسر المؤرخ الانجليزي الكبير أهم المراحل في التاريخ الإنساني، فهو يذهب إلى أن العلة في بقاء بعض الجماعات الإنسانية في حالة راكدة، لا تكون (مجتمعاً) بالمعنى المقصود من هذه الكلمة، لا تخرج عن أحد احمالين: فإما أن التحدي لم يكن كافياً لدفع طاقتها إلى إجابته، وإما أن هذه الجماعات قد عمدت إلى الفرار من طريقه؛ ثم إنه يسوق لنا أمثلة على ذلك حين يحدثنا عن الشعوب التي هاجرت إلى أعالي النيل إبان العصر الحجري الجديد، فلم تستطع أن تحدث تغييراً ذا بال في شرائط حياتها منذ ذلك الحين، لأنها قد عمدت

<<  <   >  >>