للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ص:  >  >>

منذ نشأته أن يسجل نشاطه في التاريخ وهكذا أعطانا جيزو الخيط الموجه الذي يدخلنا إلى صميم الموضوع.

فلقد شكلت الفكرة المسيحية (أنا) الأوربي أو ذاته، كما صاغت (منظر) أوربا الذي نشهده في منتصف هذا القرن العشرين.

ولا ريب أن الناظر المتطلع سوف يذوب دهشة من وحدة هذا المنظر، والشخصية التي تعطيه الحياة وتحركه، فإن أوجه التشابه بين الأشخاص والأفكار والأشياء هناك تعد في الواقع في منتهى الوضوح. وبرغم هذا فإن تلك ظاهرة عامة.

والحق أن تطور الإنسانية هو ما يحدث من نمو في مشاعرها الدينية المسجلة في واقع الأحداث الاجتماعية، تلك التي تطبع حياة الإنسان وعمله على وجه البسيطة.

نشرت المجلة العالمية (ديوجين) في عددها الثاني عام ١٩٥٣ مقالاً هاماً في الموضوع، بقلم بيير دي فونتين Pierre Desfontaines الذي أعطانا لمحة أخاذة عن ((التقسير الديني في الجغرافية الإنسانية)).

وقد أرانا الكاتب تحت هذا العنوان كيف أن الإنسان لم يستخدم ذكاءه في جهات كفاحه ضد عناصر الطبيعة وحدها، فهناك على ما ذهب إليه الكاتب: الإنسان والغابة، والإنسان والريح، والإنسان والماء، والإنسان والقفر .. إلخ .. وهناك أيضاً الإنسان في مواجهة ذاته، بل في صراعه مع عناصر هذه الذات، مع أفكارها، ومع مشاعرها، وهذا العمل (الروحي) قد طبع أيضاً الجفرافية الإنسانية، حين نثر على سطح الأرض الواقع الديني، ونتائجه المرئية في (المنظر)، ولا سيما فيما يتصل بالإعمار والاستيطان والاستثمار والمواصلات.

ونحن نرى اليوم أيضاً في المنظر الأوربي نتائج هذا العمل (الروحي) الذي تم خلال ألفي سنة من تاريخ المسيحية.

<<  <   >  >>