وما كان لعمل كهذا أن يتم إلا بفضل شبكة العلاقات الضرورية لوجود النشاط المشترك في المجتمع الأوربي.
بيد أننا إذا أردنا أن نتتبع أداء هذا العمل خلال القرون، فكأننا نتتبع إجمالاً مجرى تاريخ أوربا كله.
وعليه، فإن كتابة تاريخ أوربا، أو وصف عملها (الروحي) هو تعبير عن اطراد واحد بطريقتين مختلفتين: أي إننا إذا ما تحدثنا عن الظاهرة الأوربية أو الظاهرة المسيحية، فإن حديثنا سيكون مخلصاً لشيء واحد، لأن إحداهما متركبة على الأخرى على الخريطة، وهي تتفق معها في الزمن، والظاهرتان كلتاهما ترجع إلى الأخرى، مهما بدا لنا أن بينهما أحياناً تعارضاً ظاهرياً.
ومع ذلك فإن هذا التعارض الظاهري يختفي حين نعود إلى الوراء قرنين أو ثلاثة قرون، لأن كلمة (أوربي) ذاتها تختفي. إذ الواقع أنها لم تدخل في اللغة الدبلوماسية إلا منذ الحروب النابليونية، وعلى وجه التحديد في مؤتمر فيينا عام ١٨١٤.
وعلى الرغم من هذا فقد كانت هناك (ظاهرة أوربية) منذ العصر الوسيط الأول، ونحن مضطرون إلى أن نطلق عليها هذا الوصف لأنها متصلة بالمجال الجغرافي لأوربا.
وإن كان الواقع مرتبطاً بالإطار التاريخي، أي بالفكرة المسيحية، أو إذا شئنا تعبيراً آخر، بالعمل الروحي للفكرة المسيحية، تحت تأثير العامل الزمني خلال رحلتها من مسقط رأسها وتأقلمها بأوربا.
فكل حدث يسجله الزمن في ملحمة من ملاحم التاريخ الأوربي هو في الواقع نوع من التجسيد للفكرة المسيحية.
ومن الممكن أن نتتبع النشاط المشترك الذي قام به المجتمع الأوربي، وأن