وتعد هذه العملية من الوجهة النفسية المحضة عملية بناء للذات أو (الأنا) أو بعبارة أخرى: عملية تحديد لعناصر الشخصية.
ولقد أوضح (يونج) أن كل بناء شخصي يقوم دائماً على أساس نفسي عام في مجموع النوع، ويتمثل في التجارب المتلاحقة التي خاضتها الإنسانية منذ عهودها الأولى.
فالفرد على هذا يحمل في نفسه لدى مجيئه إلى الدنيا ملخصاً لهذه التجارب: فهو يستقبل عند ولادته ميراثاً نفسياً معيناً، كما يستقبل تراثاً حيوياً. هذا الميراث هو الذي يكون مجال اللاشعور ويمثل رصيد العقائد والخرافات التي كدستها الإنسانية في نفسيتها منذ بدء التاريخ.
والماضي الديني للإنسانية في نظر يونج حاضر في نفسية الفرد، وهو يظهر هنا وهناك في ألوان نشاطه النفسي، ويتجلى في أحلامه في هيئة رموز، أو في أفكاره في صورة مجازات لا شعورية.
بل إن رجعة التاريخ الديني على هذه الصورة تتجلى أيضاً لدى الملحد في صورة مجازات.
وهذه عبارة على سبيل المثال:((منذ أكثر من ثلاثين عاماً طبقت فلسفة تقوم على أساس فكرة أن الحياة الإنسانية لا معنى لها- على طول الزمن- إلا أن تكون في خدمة الخلود)) (١).
ولقد يتساءل القارئ عن الصوفي أو القديس الذي كتب هذا النص، ومع ذلك فهي فكرة ملحد أرسلها إلى صديقه تروتسكي- ملحد آخر- قبيل إقدامه على الانتحار.
(١) هذا النص مقتبس من كتاب (أوربا وروح الشرق) [ص:١٩١]، لوالتر شوبارت الذي قبسه بدوره عن كتاب تروتسكي (حقيقة الحال في روسيا).