لقد انطلقت العبارة على هذه الصورة من لا شعور الرجل، كأنه يجدها في رصيد حركاته الفطرية، ولكن سرعان ما تتدخل جدليته المادية كأنما لتطمس الانعكاس الذي خطه قلمه على الورق، فإذا به يختم حديثه قائلاً:((وبالنسبة لنا .. الوحدة هي الخلود)).
فالرجل قد عاش لحظة حماسة، لم يستطع فيها أن يلتزم فكره المشروط، ولكنه بعد هذه اللحظة لم يرد أن يترك لدى محدثه- تروتسكي- شكاً في تعصبه الماركسي.
ومع ذلك فهذا المثال لا يعطينا صورة كاملة للظاهرة التي نشير إليها، ولكن يرينا كيف أن الماضي الديني- وهو هنا ماض جد قريب- يتجلى في صورة انعكاس، صادر عن فكر ملحد.
فنفسية الفرد في المجتمعات التاريخية على الأقل مفعمة بالنزعة الدينية، تلك التي تعد جزءاً من طبيعته، وهو ما جعل علم الاجتماع يقول في تعريف الإنسان بأنه (حيوان ديني)، وهو بذلك يحدد جانباً من الأساس النفسي العام في أفراد النوع، وكل فرد يبني شخصيته الخاصة على هذا الأساس.
ومعنى ذلك أن الدين يتدخل أيضاً في هذا البناء؛ أعني في تحديد العناصر الشخصية للفرد، أو (الأنا).
وهو هنا يتدخل مباشرة في عملية التكييف، التي عرفناها على أنها عملية ترشيح أو تنحية من جانب، وعملية انتقاء أو بعث للإحساس من جانب آخر.
ولكي نحدد أهميته الاجتماعية تحديداً دقيقاً ينبغي أن نقول إن العملية هنا عملية تخالُفٍ من ناحية، وتَوافُقٍ من ناحية أخرى. فالفرد المشروط أو المكيف يختلف عمن ليس كذلك، وهو من جانب آخر لا بد أن يتفق مع نموذج يحتويه المجتمع الذي يكيفه ليدخل في شبكة علاقاته.