بيد أن المشكلة التي نواجهها في هاتين الحالتين تكمن في أننا لا نكترث بهذه الألاعيب، لدرجة أنها لا تثير اهتمامنا، على حين تشغل آثارها في خسائرنا الاجتماعية اليومية جانباً كبيراً.
ولسنا نستطيع، بكل أسف، وبتأثير أوضاعنا العقلية، أن نفهم عمل الاستعمار إلا ريثما يثير ضجيجاً، كضجيج الدبابة والمدفع والطائرة.
أما حين يكون من تدبير فنان، أو من عمل قارض فإنه يغيب عن وعينا، لسبب واحد، هو أنه لا يثير ضجيجاً.
ولعل أشق الأمور على النفس أن خيرة مثقفينا أنفسهم ليسوا بكل أسى، بريئين من هذا النقص، الذي يعزى- فيما أعتقد- إلى تطور مجتمعنا العام، مجتمعنا الذي لم يكوّن بعد مقاييسه في هذا المجال، أو هو يصوغها على الأقل طبقاً لأصول الأشياء، لا طبقاً لأصول الأفكار.
وأوضاعنا العقلية التي نلتزمها لا تقعد بنا عن متابعة عمل الاستعمار فحسب، عمله الذي يمزق به شبكة مجتمنا، بل إنها تستخدم أحياناً معطفاً يختفي تحته استهتارنا وعدم اكتراثنا.
لي صديق أعده أكثر من أخ، وهو طيب كبير، ويعد واحداً من خيرة مثقفينا الذين أعرفهم بالجزائر.
كنت أتفق معه حين كنا نفكر سوياً، لأن أفكارنا كانت دائماً متماثلة، ولكني كنت أختلف معه وأفترق عنه كلما حتمت الظروف أن نعمل معاً.
فتجاربنا تختلف اختلافاً كلياً، فحيثما أريد أن أتخذ بعض الاحتياطات في كفاحنا ضد الاستعمار- وهي احتياطات تعد من وجهة نظر أحد المثقفين الأوربيين مثلاً غير كافية- إذا بصديقي يراها مفرطة إلى درجة الغلو.
حتى إن الاستعمار يجد خير حليف في أوضاعنا العقلية ذاتها.