للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ص:  >  >>

وعلى ذلك ينبغي أن نتصور المشكلة بوجه عام، وأن نصوغها بلغة التربية الاجتماعية، فليس الأمر أن نتصور حلولاً جزئية أثبتت التجربة بعد فوات الأوان عدم جدواها، وأنها ضرب من ضروب العبث والسخرية، عندما نلاحظ مثلاً في مدخل أحد المستشفيات لافتة تدعو الزوار إلى احترام راحة المرضى، على حين نرى مدير المبنى نفسه يربي داخله كلباً ضخماً ينبح طول النهار.

هل يجب في هذه الحالة أن نقول للسيد المدير: إنه قد نسي أن يضع هذه اللافتة على مكتبه .. (١)؟

إننا لو اتبعنا هذه اللغة فلربما فقدت التربية الاجتماعية أهميتها وكرامتها.

إذ ليس الهدف منها أن نعلم الناس أن يقولوا أو يكتبوا أشياء جميلة، ولكن الهدف أن نعلم كل فرد فن الحياة مع زملائه، أعني: أن نعلمه كيف يتحضر.

فإذا ما تصورنا التربية الاجتماعية في نطاق هذه المصطلحات أمكننا أن نلخصها في كلمة واحدة هي: الثقافة.

هل هذا يكفي .. ؟. لا لأن هذه الكلمة ذاتها قد تعرضت للتشويه والابتذال نتيجة الاستعمال السيئ، على ما شرحناه في دراسة سابقة (٢).

فليست التربية مجموعة من القواعد والمفاهيم النظرية التي لا سلطان لها على الواقع، على عالم الأشخاص، وعالم الأفكار، وعالم الأشياء.

وليست هي من إنتاج المتعالمين وبحار العلوم، الذين يعرفون جميع كلمات


(١) طبيعي أننا لو سألنا هذا المدير عن سلوكه الشاذ، فلسوف نجد لديه أسباباً لتفسيره. ولكن ليس من شك في أن هذه الأسباب ذاتها هي التي تضطرنا إلى ان نجعله بين القوارض التي تهدم المجتمع من حيث تظن أنها تخدمه.
(٢) انظر كتاب (مشكلة الثقافة).

<<  <   >  >>