على كلٍ النقطة وإن كانت مفقودة سابقاً، فهي مروية، يعني فرق بين السين والشين، فهي وإن لم تذكر فهي مقصودة يعني، وتقديم أيهما؟ العبادة أو الاستعانة؟ الاستعانة على العبادة وغيرها، لكن نظراً لأهمية العبادة وأنها هي المقصود من خلق الخلق قدمت، وإلا بالنسبة للوجود الاستعانة طلب المعونة من الله -سبحانه وتعالى- في جميع الأحوال، وعلى سائر الصفات على العبادة وغيرها، لكن لما كانت العبادة هي المقصود من خلق الجن والإنس قدمت؛ لأنها هي الغاية من باب تقديم الغاية على الوسيلة، في الأهمية وإن كان الترتيب الزمني ينبغي أن تكون الاستعانة متقدمة على العبادة، لكن إذا تصورنا أن الإنسان لا يستطيع أن يزاول أي عمل إلا بمعونة الله -سبحانه وتعالى- سواء كان من أمور دينه أو دنياه، لا يستطيع أن يزاول أي عمل إلا بعون الله -سبحانه وتعالى- وتوفيقه وتسديده، فيستعين الله -سبحانه وتعالى- على جميع أعماله التي منها العبادة، يقول الحافظ ابن كثير -رحمه الله تعالى-: "فإن قيل فما معنى النون في قوله: {إِيَّاكَ نَعْبُدُ وإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ} [(٥) سورة الفاتحة] فإن كانت للجميع فالداعي واحد -يعني الفرد وهو يقرأ القرآن يقول: إياك نعبد ما يقول: إياك أعبد- فإن كانت للجميع فالداعي واحد، وإن كانت للتعظيم فلا تناسب المقام، وقد أجيب بأن المراد بذلك الإخبار عن جنس العبادة، الإخبار عن جنس العباد، والمصلي فرد منهم لا سيما إن كان في جماعة أو إمام، فأخبر عن نفسه وعن إخوانه المؤمنين بالعبادة التي خلقوا لأجلها وتوسط لهم بالخير، ومنهم من قال: يجوز أن تكون للتعظيم، كأن العبد قيل له: إذا كنت في العبادة فأنت شريف، وجاهك عريض، فقل: إياك نعبد وإياك نستعين، ومنهم من قال: إياك نعبد ألطف في التواضع من إياك أعبد، لما في الثاني من تعظيم نفسه من جعله نفسه وحده أهلاً لعبادة الله تعالى الذي لا يستطيع أحد أن يعبده حق عبادته، ولا يثني عليه كما يليق به، والإمام البخاري -رحمه الله تعالى- في صحيحه في تفسير سورة {إِنَّا أَنزَلْنَاهُ} [(١) سورة القدر] قال: إن العرب تؤكد فعل الواحد بضمير الجمع، يعني ولو كان واحداً، يجوز أن يقول: نعبد ونستعين مؤكداً