الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله، نبينا محمد وعلى آله وأصحابه أجمعين، أما بعد:
هنا أسئلة بعضها يتعلق بما تقدم في الدرس السابق.
يقول: ألم يجد الصحابة المشقة والعناء في حفظ القرآن بسبب إدخال آيات متأخرة النزول في مقاطع كانوا يحفظونها؟
أولاً: القرآن نزل منجماً مفرقاً في ثلاث وعشرين سنة، وكون الشيء ينزل بالتدريج ويؤخذ تدريجياً، ليست مشقته مثل مشقة ما يؤخذ دفعة واحدة.
الأمر الثاني: أن قراءة القرآن في أول الأمر كان فيها شيء من السعة مناسبة لحال الصحابة وظرفهم في أول الأمر، فإنهم دخلوا في الإسلام وفيهم الكبير، وفيهم الصغير، وكلهم بل جلهم أميون، لا يقرؤون ولا يكتبون، فشرع التخفيف عليهم، فأنزل القرآن على سبعة أحرف، كل هذا مراعاةً لحالهم، كل هذا مراعاةً لحالهم، فلا يجدون مشقة، مع أنه قليل منهم من جمع القرآن كاملاً في زمن النبي -عليه الصلاة والسلام-؛ لأنهم كانوا مشغلون بتأسيس الدولة النبوية معه -عليه الصلاة والسلام-، بالدعوة إلى دين الله في أول الأمر، ثم بالجهاد وما يعين على إقامة هذه الدولة بالهجرة ومفارقة الأوطان وغير ذلك، وكان أيضاً يشغلهم ما هم بصدده من أمور دنياهم، كما قال أبو هريرة -رضي الله عنه-: "كان إخواننا من المهاجرين يشغلهم الصفق في الأسواق، وإخواننا من الأنصار يشغلهم العمل في زروعهم وحروثهم" فلم يتفرغوا كما تفرغ أبو هريرة لحفظ السنة، وعلى كل حال الأمر في أول الأمر فيه شيء من السعة؛ لأنه كما ذكرنا القرآن نزل منجماً تنزل الآية والآيتان والثلاث فتحفظ، ليست مثل ما يجده الإنسان بعد ذلك بعد جمع القرآن، يجده كاملاً بين الدفتين وقد يكون عنده من الحرص على حفظه في أقصر مدة ما يجعله يشق على نفسه، فلو أخذ بالتدريج لثبت ورسخ، لكن لا على التراخي الذي يؤدي إلى التفريط في حفظه، كما فعل كثير من طلاب العلم، تجدهم تراخوا وقدموا عليه علوم أخرى ثم في النهاية صعب عليهم حفظ القرآن.