الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وبارك على عبده ورسوله نبينا محمد، وعلى آله وأصحابه أجمعين،
أما بعد:
فاستكمالاً لما مضى من درس في العام الماضي في تفسير سورة الحجرات، وما تلاه بعد ذلك من تفسير سورة:(ق، والذاريات) نتابع في تفسير سورتي الطور والنجم، وبدون مقدمة للتفسير حيث مضى التقدمة في أكثر من مناسبة لا سيما في هذا المسجد سورة الحجرات، فلا داعي للتقديم في بيان أهمية التفسير.
تفسير سورة الطور التي نحن بصدد الحديث عنها، هذه السورة من سور القرآن سورة عظيمة تهز قلب الكافر قبل المسلم، ففي الصحيح من حديث جبير بن مطعم: أنه قدم المدينة في فداء أسرى بدر -وكان يومئذ كافراً-، فسمع النبي -عليه الصلاة والسلام- يقرأ في صلاة المغرب بسورة الطور، وأخبر عن نفسه أن قلبه كاد يطير من سماع هذه السورة.
قال: وذلك أول ما وقر الإيمان في قلبي، وهذا كافر لا يؤمن بالله ولا بما جاء عن الله، لكنه بفطرته مع تذوقه للكلام، فالعرب الذين نزل القرآن بلغتهم يفهمون ما يلقى إليهم، ومما يؤسف له أن كثيراً من المسلمين لا يعون ولا يدركون مثل هذا الإدراك، فتقرأ سورة الطور، وتقرأ سورة هود، وتقرأ الآيات التي لو أنزلت على جبل لرأيته خاشعاً متصدعاً من خشية الله، ومع ذلك لا تحرك ساكناً، هذا كافر كاد قلبه أن يطير والنصارى {وَإِذَا سَمِعُواْ مَا أُنزِلَ إِلَى الرَّسُولِ تَرَى أَعْيُنَهُمْ تَفِيضُ مِنَ الدَّمْعِ} [(٨٣) سورة المائدة]، ومع الأسف أن المسلم في عصرنا هذا لا تكاد تحرك فيه ساكناً إلا من رحم الله وهم قلة؛ حتى أنا نجد من أنفسنا ونحن مع إخواننا من طلاب العلم، يعني لنا صلة وإن كانت ضعيفة حقيقة الصلة ضعيفة بكتاب الله، لكنها موجودة يعني ولو كانت ناقصة ومع ذلك كلام الله لا يحرك فينا ساكناً.