الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله نبينا محمد، وعلى آله وأصحابه أجمعين. أما بعد:
فأرى الأخوة ليسوا بحاجة إلى تذكيرهم بأهمية تفسير القرآن فهذا أمر لا يختلف فيه اثنان، وأنه أهم العلوم وأشرفها لشرف الغاية والمقصد التي هي معرفة كلام الله -جل وعلا-، وإذا كان الناس في أمورهم العادية يهتمون اهتماماً بالغاً بما يأتيهم من مراجعهم ورؤسائهم، فتجد الأنظمة واللوائح إذا وردت على الدوائر الرسمية من الجهات العليا يجتمعون لها، فترى المدير يجمع الوكلاء رؤساء الأقسام، ويتدارسون هذه اللوائح وهذه الأنظمة، وإذا أشكل عليهم شيء سألوا عنه وتثبتوا وطلبوا لوائح تفسيريه فيكف بما يتعلق بكلام الله -جل وعلا-؟.
المسلم مطالب بأن يفهم عن الله -جل وعلا- كلامه وأن يتدبره ليعمل به، أقول إذا كانت العناية بكلام البشر بهذه القوة والاهتمام من قبل المرؤوسين في فهم كلام الرؤساء، وهم بشر مثلهم يصيبون ويخطون، فكيف بكلام -جل وعلا- الذي تعبدنا بتلاوته؟ مجرد قرأت القرآن رتب عليها من الأجور العظمية ما لا يقدر قدره إلا الله -جل وعلا-، -يعني مجرد التلاوة- كلام الله -جل وعلا- الذي من قام يقرأه كأنما خاطب الرحمن
هو الكتاب الذي من قام يقرأه ... كأنما خاطب الرحمن بالكلم
هذه مجرد قراءة مجرد تلاوة، فكيف بالقدر الزائد على ذلك، مما أمر به من تدبر وترتيل وفهم لكلام الله -جل وعلا- من أجل العمل؟ إذ لا يستطيع ويتمكن من العمل إلا من فهمه لا يستطيع أن يعمل إلا من فهمه فلا بد من فهم كلام الله-جل وعلا- ولابد من الاهتمام به، ولا بد من العناية به من جميع الوجوه، ولهذا بدأنا بتفسير المفصل موزعاً على مناطق متعددة، واعتمدنا في التفسير ليكون بأيدي الإخوان تفسير الجلالين؛ لأن الكلام المرسل هكذا دون تقيد بكتاب معين لا ينتهي، قد يكون الكلام والاستطراد في آية على حساب آيات أخرى، وإذا كان بأيدينا كتاب استطعنا أن نحدد البداية والنهاية، وعرفنا متى نبدأ، ومتى ننتهي.