تجد بعض طلاب العلم مغرم بكتب الرحلات؛ لأنها سواليف، تسهل على النفس قراءتها وتلقيها والتحدث بها سهل، تجده إذا كان مدعو إلى جلسة وإلا شيء، نظر في بعض هذه الكتب ليتحدث به في المجلس، أو يكون ديدنه ذلك، بعضهم مغرم بقراءة الذكريات، وهذه الرحلات والذكريات أغلى ما يباع في الأسواق على الإطلاق الآن، أغلى من كتب التفسير وشروح الحديث والعقائد والفقه والعلوم النافعة؛ لأن الناس اتجهوا إليها، تجد هذه الإسرائيليات التي منها أن (ق) جبل محيط بالأرض وصفته كذا وكذا، المقصود أنهم هولوا من شأنه بشيء لا يقبله عقل، لا يمكن أن يدخل في عقل، ولم يرد به نقل، بل وردت النقول بخلافه، حشيت كتب التفاسير بمثل هذه الإسرائيليات، حتى أن واحد من طلاب العلم، ممن ينتسب إلى طلب العلم عتب على من اختصروا تفسير ابن كثير وجردوه عن ذكر هذه الإسرائيليات، مع أن الإمام الحافظ ابن كثير ناقد، إذا أورد هذه الأخبار ينقدها ولا يسكت عليها، وهو الذي قال في هذا الجبل إنه من وضع زنادقة أهل الكتاب، فلا يلام من ذكرها للنقد.
القرطبي في تفسيره الجامع ذكر في مقدمة كتابه أنه لا يذكر الأخبار الإسرائيلية، ويكتفي بذكر الأحكام ومعاني الآيات من حيث اللغة والمنقول، ويفيض في الأحكام، لكنه مع ذلك ذكر من الأخبار الإسرائيلية؛ لأن بعض الأمور تفرض نفسها، إذا كانت جميع المراجع التي بين يديه فيها ذكر هذه الإسرائيليات، قد ينساق الإنسان وراءها من حيث يشعر أو لا يشعر، وعلى كل حال تفسير القرطبي من أنظف الكتب بالنسبة للإسرائيليات، وإن وجدت فيه، تفسير الخازن الذي صار ديدناً لكثير من طلاب العلم في بعض الأقطار، الرجل صوفي، ومغرم بالإسرائيليات، وهو في الأصل مختصر من تفسير البغوي، لكنه أفاض في ذكر هذه الإسرائيليات، فصار الناس يتتبعونه تبعاً لهذه الإسرائيليات التي تروح عن قلوبهم على حسب ما يزعمون.