أعطاك منزلة رفيعة، يقصر دونها ملوك الدنيا، وقد همز بعضهم السورة وتأويلها في لغتهم القطعة التي أفضلت من القرآن عما سواها، وأبقيت، وذلك أن سؤر الشيء البقية منه تبقى بعد الذي يؤخذ منه، ولذلك سميت الفضلة من شراب الرجل يشربه ثم يفضلها فيبقيها في الإناء سؤراً، وأما الآية من آي القرآن، فقد قال ابن جرير: "تحتمل وجهين في كلام العرب، أحدهما: أن تكون سميت آية لأنها علامة يعرف بها تمام ما قبلها وابتداؤها، كالآية التي تكون دلالةً على الشيء يُستدل بها عليه، قال الله تعالى:{وَقَالَ لَهُمْ نِبِيُّهُمْ إِنَّ آيَةَ مُلْكِهِ} [(٢٤٨) سورة البقرة] يعني علامة ملكه، وقال تعالى في المائدة:{رَبَّنَا أَنزِلْ عَلَيْنَا مَآئِدَةً مِّنَ السَّمَاء تَكُونُ لَنَا عِيداً لِّأَوَّلِنَا وَآخِرِنَا وَآيَةً مِّنكَ} [(١١٤) سورة المائدة] يعني علامة لإجابتك دعاءنا، وإعطاءك إيانا سؤلنا، لكن هل نزلت المائدة أو لم تنزل؟ أو فيه خلاف؟ المسألة فيها خلاف، هل نزلت أو لم تنزل؟ لأن الخبر، قال الله:{قَالَ اللهُ إِنِّي مُنَزِّلُهَا عَلَيْكُمْ فَمَن يَكْفُرْ} [(١١٥) سورة المائدة] خبر مقرون بهذا الشرط، وتمامه يتوقف على التزامهم بهذا الشرط، ما في احتمال أنهم قالوا: لا، إذا كانت مقيدة بهذا الشرط لا نريدها قال الله:{إِنِّي مُنَزِّلُهَا عَلَيْكُمْ فَمَن يَكْفُرْ بَعْدُ مِنكُمْ فَإِنِّي أُعَذِّبُهُ عَذَابًا} [(١١٥) سورة المائدة] كأنه قال: إن أردتم إنزالها فإني أنزلها بهذا الشرط، وإن كان الأكثر على أنها نزلت، وذكروا من أوصافها ما ذكروا على ما سيأتي -إن الله تعالى- في سورة المائدة.
والمعنى الآخر للآية: القصة، يقول كعب بن زهير:
ألا أبلغا هذا المعرّضَ آيةً ... أيقضان قال القول إذ قال أم حلم
يعني هل قال قوله هذا في الحلم أو في العلم؟ في الرؤيا أو في اليقظة؟ أبلغوه آية، يعني بقوله آية، رسالة مني وقصةً وخبراً عني، فيكون معنى الآيات القصص، قصةً تتلو قصة بفصولٍ ووصول، والبيت في ديوان كعب روي:
ألا أبلغا هذا المعرّضَ إنه ... أيقضان قال القول إذ قال أم حلم