لا تحيد يميناً ولا شمالاً مع أنها ليس فيها أخاديد وتجري من تحتهم، وفيها ما لا عين رأت، ولا أذن سمعت، ولا خطر على قلب بشر، يعني هل يخطر على قلب بشر أن النهر يجري من تحت الإنسان؟ لا يصيبه، وليس فيه أخدود، ولا يميل يميناً ولا شمالاً، يعني من العجائب أن يوجد عين تنبع عين ضعيفة جداً تنبع وتسير على الأرض، وتقصد الجهة المرتفعة دون النازلة يعني هذا شيء مذهل بالنسبة للإنسان؟ هذا شيء مذهل، يعني وجدت هذه في الدنيا فكيف بأنهار الجنة، يعني الناس ينظرون إلى هذا العين وهي ضعيفة جداً تنبع من الأرض والأرض قريبة من الاستواء إلا أن جهة من جهاتها فيها شيء من الارتفاع وتصعد، هذه بالنسبة لعقل البشر وتقدير البشر ووسائل البشر فيها شيء من الاستغراب، لكن فكيف بهذه الأنهار، أنهار تتدفق تجري من تحتهم، وهذا نهر ماء، وهذا نهر لبن، وهذا نهر خمر، وهذا نهر عسل، وكلها من غير أخاديد {فَلَا تَعْلَمُ نَفْسٌ مَّا أُخْفِيَ لَهُم مِّن قُرَّةِ أَعْيُنٍَ} [(١٧) سورة السجدة] فهذه الأمور حقيقة ينبغي أن يقف عندها المسلم لا سيما طالب العلم؛ لأنها تحدوه إلى العمل.
منهم من فسر {نهر} بالضياء أخذاً من النهار الذي فيه الضياء، {في جنات} وضياء لا ظلام؛ لأن بساتين الدنيا بأشجارها قد تحجب هذه الأشجار الأنوار، فيكون فيه شيء من الظلام لا سيما فجر الليل وما قرب منه، يقول:{ونهر} فيه ضياء، وذكروا في هذا قول الشاعر:
لست بليل ولكني نهِر ... لا أدرج الليل ولكن أبتكر
يعني من النهار نهاري وليس بليلي ما يسهر، وعمله كله بالنهار، على كل حال هذا قول فيه بعد والنهر واحد الأنهار، وأُثر الإفراد مراعاة لرؤوس الآي.