تَفْصِيلًا آخَرَ ; فَمَنْ سَمِعَ وَحْدَهُ مِنْ لَفْظِ الشَّيْخِ أُفْرِدَ فَقَالَ: حَدَّثَنِي وَسَمِعْتُ، وَمَنْ سَمِعَ مَعَ غَيْرِهِ جَمَعَ فَقَالَ: حَدَّثَنَا وَسَمَّعَنَا، وَمَنْ قَرَأَ بِنَفْسِهِ عَلَى الشَّيْخِ أَفْرَدَ فَقَالَ: أَخْبَرَنِي، وَمَنْ سَمِعَ بِقِرَاءَةِ غَيْرِهِ فَقَالَ: أَخْبَرَنَا. وَكَذَا خَصُّوا الْإِنْبَاءَ بِالْإِجَازَةِ الَّتِي يُشَافِهُ بِهَا الشَّيْخُ مَنْ يُجِيزُهُ، وَكُلُّ هَذَا مُسْتَحْسَنٌ عِنْدَهُمْ وَلَيْسَ بِوَاجِبٍ عِنْدَهُمْ وَإِنَّمَا أَرَادُوا التَّمْيِيزَ بَيْنَ أَحْوَالِ التَّحَمُّلِ، وَظَنَّ بَعْضُهُمْ أَنَّ ذَلِكَ عَلَى سَبِيلِ الْوُجُوبِ فَتَكَلَّفَ بِالِاحْتِجَاجِ لَهُ وَعَلَيْهِ بِمَا لَا طَائِلَ تَحْتَهُ، نَعَمْ يَحْتَاجُ الْمُتَأَخِّرُونَ إِلَى مُرَاعَاةِ الِاصْطِلَاحِ الْمَذْكُورِ لِأَنَّهُ صَارَ حَقِيقَةً عُرْفِيَّةً عِنْدَهُمْ فَمَنْ يَجُوزُ عَنْهَا احْتَاجَ إِلَى الْإِتْيَانِ بِقَرِينَةٍ تَدُلُّ عَلَى مُرَادِهِ وَإِلَّا فَلَا يُؤْمَنُ اخْتِلَاطُ الْمَسْمُوعِ بِالْمَجَازِ وَبَعْدَ تَقُرُّرِ الِاصْطِلَاحِ لَا يُحْمَلُ مَا وَرَدَ مِنْ أَلْفَاظِ الْمُتَأَخِّرِينَ عَلَى مَحَلٍّ وَاحِدٍ بِخِلَافِ الْمُتَقَدِّمِينَ، هَذَا وَاخْتَلَفُوا فِي الْقِرَاءَةِ عَلَى الشَّيْخِ ; هَلْ تُسَاوِي السَّمَاعَ مِنْ لَفْظِهِ أَوْ هِيَ دُونَهُ أَوْ فَوْقَهُ عَلَى ثَلَاثَةِ أَقْوَالٍ: فَذَهَبَ مَالِكٌ وَأَصْحَابُهُ وَمُعْظَمُ أَهْلِ الْحِجَازِ وَالْكُوفَةِ وَالْبُخَارِيُّ إِلَى التَّسْوِيَةِ بَيْنَهُمَا، وَذَهَبَ أَبُو حَنِيفَةَ وَابْنُ أَبِي ذِئْبٍ إِلَى تَرْجِيحِ الْقِرَاءَةِ عَلَى الشَّيْخِ عَلَى السَّمَاعِ مِنْ لَفْظِهِ، وَرَوَاهُ الْخَطِيبُ فِي الْكِفَايَةِ عَنْ مَالِكٍ أَيْضًا وَاللَّيْثِ بْنِ سَعْدٍ وَشُعْبَةَ وَابْنِ لَهِيعَةَ وَيَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ وَيَحْيَى بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ بُكَيْرٍ وَغَيْرِهِمْ، وَذَهَبَ جُمْهُورُ أَهْلِ الشَّرْقِ إِلَى تَرْجِيحِ السَّمَاعِ مِنْ لَفْظِ الشَّيْخِ عَلَى الْقِرَاءَةِ عَلَيْهِ، قَالَ زَيْنُ الدِّينِ الْعِرَاقِيُّ: وَهُوَ الصَّحِيحُ، قُلْتُ: وَلَعَلَّ وَجْهَهُ أَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يَقْرَأُ الْقُرْآنَ وَالْحَدِيثَ عَلَى أَصْحَابِهِ فَيَأْخُذُونَ عَنْهُ وَكَذَا كَانُوا يُؤَدُّونَهُمَا إِلَى التَّابِعِينَ وَأَتْبَاعِهِمْ فَيُمْكِنُ أَنْ يُقَالَ: هَذَا الِاخْتِلَافُ اخْتِلَافُ عَصْرٍ فَإِنَّ الْمُتَقَدِّمِينَ كَانَ لَهُمْ قَابِلِيَّةٌ تَامَّةٌ بِحَيْثُ أَنَّهُمْ كَانُوا يَأْخُذُونَ الْقِرَاءَةَ وَالْحَدِيثَ بِمُجَرَّدِ السَّمَاعِ أَخْذًا كَامِلًا مُسْتَوْفِيًا يَصْلُحُ لِلِاعْتِمَادِ فِي التَّحَمُّلِ بِخِلَافِ الْمُتَأَخِّرِينَ لِقِلَّةِ اسْتِعْدَادَاتِهِمْ وَبُطْءِ إِدْرَاكَاتِهِمْ فَهُمْ إِذَا قَرَءُوا الْقِرَاءَةَ عَلَى الشَّيْخِ أَوِ الْحَدِيثَ عَلَى الْمُحَدِّثِ وَقَرَّرَهُ فِي قِرَاءَتِهِ وَإِذَا أَخْطَأَ بَيَّنَ لَهُ مَوْضِعَ خَطَأِهِ كَانَ أَقْوَى فِي الِاعْتِمَادِ، وَاعْلَمْ أَنَّ الشُّرَّاحَ لَهُمْ هُنَا إِطْنَابٌ فِي الْإِعْرَابِ مَعَ كَثِيرٍ مِنَ الِاضْطِرَابِ أَضْرَبْنَا عَنْ ذِكْرِهِ لِقِلَّةِ فَائِدَتِهِ عِنْدَ أُولِي الْأَلْبَابِ.
(أَبُو رَجَاءٍ) : بِفَتْحِ الرَّاءِ وَجِيمٍ بَعْدَهُ أَلِفٌ بَعْدَهُ هَمْزَةٌ.
(قُتَيْبَةُ) : بِقَافٍ مَضْمُومَةٍ وَفَوْقِيَّةٍ مَفْتُوحَةٍ وَتَحْتِيَّةٍ سَاكِنَةٍ بَعْدَهَا مُوَحَّدَةٌ قَبْلَ هَاءٍ وَهُوَ ثِقَةٌ ثَبْتٌ مِنْ مَشَايِخِ الْبُخَارِيِّ وَمُسْلِمٍ.
(ابْنُ سَعِيدٍ) : بِفَتْحِ الْمُهْمَلَةِ وَكَسْرِ الْعَيْنِ وَهُوَ ابْنُ عَبْدِ اللَّهِ الثَّقَفِيُّ مَوْلَاهُمْ مِنْ قَرْيَةٍ مِنْ قُرَى بَلْخٍ، قِيلَ: إِنَّ اسْمَهُ يَحْيَى وَلَقَبُهُ قُتَيْبَةُ وَقِيلَ: اسْمُهُ عَلِيٌّ، رَحَلَ إِلَى الْعِرَاقِ وَالْمَدِينَةِ وَمَكَّةَ وَالشَّامِ وَمِصْرَ وَسَمِعَ مَالِكَ بْنَ أَنَسٍ وَخَلْقًا كَثِيرًا مِنَ الْأَعْلَامِ، رَوَى عَنْهُ الْبُخَارِيُّ وَالتِّرْمِذِيُّ وَخَلْقٌ كَثِيرٍ مِنَ الْأَئِمَّةِ، وُلِدَ سَنَةَ ثَمَانٍ وَأَرْبَعِينَ وَمِائَةٍ وَتُوُفِّيَ سَنَةَ أَرْبَعِينَ وَمِائَتَيْنِ فِي شَعْبَانَ وَكَانَ ثَبْتًا.
(عَنْ مَالِكِ بْنِ أَنَسٍ) : الْإِمَامِ الْمَشْهُورِ مِنَ الْأَئِمَّةِ الْأَرْبَعَةِ وَهُوَ مِنْ كِبَارِ أَتْبَاعِ التَّابِعِينَ، أَخَذَ عَنْ نَافِعٍ مَوْلَى ابْنِ عَمْرَ وَعَنِ الزُّهْرِيِّ وَغَيْرِهِمَا قِيلَ بَلَغَ مَشَايِخُهُ
تِسْعَمِائَةٍ وَأَخْذَ عَنْهُ الشَّافِعِيُّ وَمُحَمَّدُ بْنُ الْحَسَنِ وَأَمْثَالُهُمَا، وُلِدَ سَنَةَ خَمْسٍ وَتِسْعِينَ مِنَ الْهِجْرَةِ، قِيلَ مَكَثَ فِي بَطْنِ أُمِّهِ ثَلَاثَ سِنِينَ، وَمَاتَ بِالْمَدِينَةِ سَنَةَ تِسْعٍ وَسَبْعِينَ وَمِائَةٍ وَلَهُ أَرْبَعٌ وَثَمَانُونَ سَنَةً، وَقَدِ اجْتَمَعَ بِالْإِمَامِ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَخَذَ عَنْهُ وَقِيلَ أَخَذَ كُلٌّ عَنِ الْآخَرِ وَاللَّهُ أَعْلَمُ، وَالْجَارُّ يَتَعَلَّقُ بِأَخْبَرَنَا أَوْ حَالٌ مِنَ الْفَاعِلِ الْمَذْكُورِ أَوْ مِنَ الْمَفْعُولِ الْمُقَدَّرِ أَيْ أَخْبَرَنَا أَبُو رَجَاءٍ هَذَا الْحَدِيثَ حَالَ كَوْنِهِ نَاقِلًا أَوْ مَنْقُولًا وَجُوِّزَ كَوْنُهُ اسْتِئْنَافًا جَوَابًا لِمَنْ قَالَ عَمَّنْ يُحَدِّثُهُ.
(عَنْ رَبِيعَةَ) : بِفَتْحِ الرَّاءِ وَكَسْرِ الْمُوَحَّدَةِ بَعْدَهَا تَحْتِيَّةٌ سَاكِنَةٌ، وَقَدْ بَالَغَ الْأَئِمَّةُ فِي جَلَالَتِهِ أَيْ حَالَ كَوْنِ مَالِكٍ نَاقِلًا عَنْ رَبِيعَةَ (بْنِ أَبِي عَبْدِ الرَّحْمَنِ) : حَالَ كَوْنِهِ نَاقِلًا (عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ) : وَهُوَ أَبُو النَّضْرِ الْأَنْصَارِيُّ الْبُخَارِيُّ الْخَزْرَجِيُّ خَادِمُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَشْرَ سِنِينَ وَعُمْرُهُ مِائَةُ سَنَةٍ، وَهُوَ آخِرُ مَنْ مَاتَ بِالْبَصْرَةِ مِنَ الصَّحَابَةِ سَنَةَ إِحْدَى وَسَبْعِينَ وَقِيلَ وُلِدَ لَهُ مِائَةُ وَلَدٍ مِنْهَا ثَمَانِيَةٌ وَسَبْعُونَ ذَكَرًا، رَوَى عَنْهُ الزُّهْرِيُّ وَغَيْرُهُ. (أَنَّهُ) : أَيْ أَنَّ رَبِيعَةَ وَقِيلَ أَنَّهُ ضَمِيرُ الشَّأْنِ. (سَمِعَهُ) : أَيْ سَمِعَ رَبِيعَةَ أَنَسًا، وَفِيهِ إِشَارَةٌ إِلَى أَنَّ رَبِيعَةَ أَخَذَ هَذَا الْحَدِيثَ عَنْ أَنَسٍ بِطَرِيقِ التَّحْدِيثِ لَا بِالْإِخْبَارِ. (يَقُولُ) : حَالٌ أَيْ قَائِلًا، وَقِيلَ بَيَانٌ،
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute