الْمَبْسُوطَةِ وَنَحْوِهَا، وَجَمْعُهَا صِحَافٌ عَلَى مَا فِي النِّهَايَةِ (فَلَمَّا وُضِعَتْ) أَيِ: الصَّحْفَةُ (بَكَى عَبْدُ الرَّحْمَنِ، فَقُلْتُ لَهُ يَا أَبَا مُحَمَّدٍ مَا يُبْكِيكَ؟) مِنَ الْإِبْكَاءِ، أَيْ: أَيُّ شَيْءٍ يَجْعَلُكَ بَاكِيًا؟ (قَالَ هَلَكَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -) أَيْ: مَاتَ، قَالَ ابْنُ حَجَرٍ: فِيهِ جَوَازُ اسْتِعْمَالِ هَذَا اللَّفْظِ فِي الْأَنْبِيَاءِ، وَقَدِ اسْتَعْمَلَهُ فِيهِمُ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي غَيْرِ حَدِيثٍ، قُلْتُ، وَقَدْ قَالَ تَعَالَى فِي حَقِّ يُوسُفَ حَتَّى إِذَا هَلَكَ قُلْتُمْ لَنْ يَبْعَثَ اللَّهُ مِنْ بَعْدِهِ رَسُولًا (وَلَمْ يَشْبَعْ هُوَ وَأَهْلُ بَيْتِهِ) أَيْ: نِسَاؤُهُ أَوْ أَوْلَادُهُ وَأَقَارِبُهُ (مِنْ خُبْزِ الشَّعَيْرِ) وَفِي رِوَايَةٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّهُ قَالَ خَرَجَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مِنَ الدُّنْيَا وَلَمْ يَشْبَعْ مِنْ خُبْزِ الشَّعِيرِ. رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ، أَيْ: دَائِمًا، وَفِي بَيْتِهِ أَوْ يَوْمَيْنِ مُتَوَالِيَيْنِ كَمَا جَاءَ عَنْ عَائِشَةَ، فَلَا يُشْكِلُ بِمَا مَرَّ قَرِيبًا فِي قِصَّةِ أَبِي الْهَيْثَمِ، وَفِي الْجُمْلَةِ فِيهِ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ ضِيقَ عَيْشِهِ وَقِلَّةَ شِبَعِهِ كَانَ مُسْتَمِرًّا فِي حَالِ حَيَاتِهِ إِلَى حِينِ مَمَاتِهِ خِلَافًا لِمَنْ تَوَهَّمَ خِلَافَ ذَلِكَ، فَدَلَّ عَلَى أَنَّ الْفَقِيرَ الصَّابِرَ أَفْضَلُ مِنَ الْغَنِيِّ الشَّاكِرِ، وَكَانَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ تَذَكَّرَ ذَلِكَ؛ لِأَنَّ مَا فِي الصَّحْفَةِ كَانَ مُشْبِعًا لَهُ وَلِمَنْ مَعَهُ (فَلَا أَرَانَا) بِضَمِّ الْهَمْزِ أَيْ: فَلَا أَظُنُّ إِيَّانَا (أُخِّرْنَا) بِصِيغَةِ الْمَجْهُولِ (لِمَا خَيْرٌ لَنَا)
يَعْنِي أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَأَهْلَ بَيْتِهِ، إِذَا كَانُوا كَذَلِكَ فِي الدُّنْيَا مِنْ ضِيقِ الْعَيْشِ، وَنَحْنُ بَعْدَهُ فِي سَعَةِ تَنَعُّمٍ، فَلَا أَظُنُّ أَنَّا أَبْقَيْنَا لِلَّذِي هُوَ خَيْرٌ لَنَا، كَلَّا بَلْ أَكْمَلُ الْأَحْوَالِ هُوَ مَا كَانَ عَلَيْهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مِنْ ضِيقِ الْعَيْشِ إِلَى أَنْ تَوَفَّاهُ اللَّهُ سُبْحَانَهُ، وَأَمَّا مَا صِرْنَا إِلَيْهِ مِنَ السَّعَةِ فَهُوَ مِمَّا يُخْشَى عَاقِبَتُهُ، وَمِنْ ثَمَّةَ كَانَ عُمَرُ وَغَيْرُهُ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ - يَخَافُونَ أَنَّ مَنْ هُوَ كَذَلِكَ رُبَّمَا عُجِّلَتْ طَيِّبَاتُهُ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا، هَذَا وَقَدْ ضُبِطَ فِي الْأَصْلِ: فَلَا أُرَى بِصِيغَةِ الْمَجْهُولِ الْمُفْرَدِ وَأَنَا بِفَتْحِ الْهَمْزَةِ وَتَشْدِيدِ النُّونِ، وَلَمْ يَظْهَرْ وَجْهُهُ لِعَدَمِ سَبَبِ حَذْفِ لَامِ الْفِعْلِ مَعَ لَا النَّافِيَةِ.
(بَابُ مَا جَاءَ فِي سِنِّ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -)
أَيْ فِي قَدْرِ عُمُرِهِ وَمِقْدَارِ أَمْرِهِ (حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ مَنِيعٍ، حَدَّثَنَا رَوْحُ بْنُ عُبَادَةَ) بِفَتْحِ الرَّاءِ وَضَمِّ الْعَيْنِ (حَدَّثَنَا زَكَرِيَّا) بِالْقَصْرِ، وَيَجُوزُ مَدُّهُ (ابْنُ إِسْحَاقَ حَدَّثَنَا عَمْرُو بْنُ دِينَارٍ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ مَكَثَ) بِضَمِّ الْكَافِ وَفَتْحِهَا، أَيْ: لَبِثَ (النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِمَكَّةَ) أَيْ: بَعْدَ الْبَعْثَةِ (ثَلَاثَ عَشْرَةَ) أَيْ: سَنَةً (يُوحَى إِلَيْهِ) أَيْ: بِاعْتِبَارِ مَجْمُوعِهَا،؛ لِأَنَّ مُدَّةَ فَتْرَةِ الْوَحْيِ، وَهِيَ سَنَتَانِ وَنِصْفٌ مِنْ جُمْلَتِهَا، وَهَذَا هُوَ الْأَصَحُّ الْمُوَافِقُ لِمَا رَوَاهُ أَكْثَرُ الرُّوَاةِ، وَوَرَدَ عَشْرُ سِنِينَ وَخَمْسَةَ عَشَرَ فِي سَبْعَةٍ مِنْهَا يَرَى نُورًا وَيَسْمَعُ صَوْتًا وَلَمْ يَرَ مَلَكًا، وَفِي ثَمَانِيَةٍ مِنْهَا يُوحَى إِلَيْهِ، وَجَمِيعُ هَذِهِ الرِّوَايَاتِ فِي الصَّحِيحَيْنِ، وَبَيْنَ الرِّوَايَتَيْنِ الْمَرْوِيَّتَيْنِ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ مُخَالَفَةٌ مِنْ وَجْهَيْنِ: أَحَدُهُمَا فِي مُدَّةِ الْإِقَامَةِ بِمَكَّةَ ثَلَاثَ عَشْرَةَ أَوْ خَمْسَ عَشْرَةَ، وَثَانِيهِمَا فِي زَمَنِ الْوَحْيِ عَلَيْهِ ثَلَاثَ عَشْرَةَ أَوْ ثَمَانِيَةٌ، قَالَ الْحَنَفِيُّ: يُمْكِنُ أَنْ يُقَالَ الْمُرَادُ بِالْوَحْيِ إِلَيْهِ فِي ثَلَاثَ عَشْرَةَ مُطْلَقُ الْوَحْيِ سَوَاءٌ كَانَ الْمَلَكُ مَرْئِيًّا أَوْ لَا، وَالْمُرَادُ: بِالْوَحْيِ إِلَيْهِ في ثمانية هُوَ أَنْ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute