بَعْضِ النُّسَّاخِ سَهْوًا. وَقَالَ ابْنُ حَجَرٍ: وَجْهُهُ أَنَّ طِيبَ الصُّورَةِ يَلْزَمُهُ غَالِبًا طِيبُ رِيحِهَا، فَفِيهِ إِيمَاءٌ إِلَى التَّعَطُّرِ انْتَهَى. وَلَا يَخْفَى مَا فِيهِ مِنَ التَّكَلُّفِ بَلِ التَّعَسُّفِ، وَالْأَقْرَبُ أَنْ يُتَصَرَّفَ فِي عُنْوَانِ الْبَابِ بِزِيَادَةٍ، وَحُسْنِ صُورَةِ الْأَصْحَابِ، وَعَرْضِهِمْ عَلَى ابْنِ الْخَطَّابِ وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِالصَّوَابِ، وَإِلَيْهِ الْمَرْجِعُ، وَالْمَآبُ.
(بَابٌ كَيْفَ كَانَ كَلَامُ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -)
هَذَا كَمَا وَقَعَ فِي أَوَّلِ كِتَابِ صَحِيحِ الْبُخَارِيِّ، وَقَدْ كَتَبْتُ عَلَيْهِ رِسَالَةً مُسْتَقِلَّةً فِي بَيَانِ مَا يَتَعَلَّقُ بِهِ مِنَ الْإِعْرَابِ بِلَا أَغْرَابٍ بِالْتِمَاسِ بَعْضِ أَهْلِ الْفَضْلِ مِنْ ذَوِي الْأَلْبَابِ، وَقَدْ ضُبِطَ الْبَابُ هَذَا مُنَوَّنًا، وَغَيْرُ مُنَوَّنٍ، وَيُحْتَمَلُ تَسْكِينُهُ عَلَى التَّعْدَادِ، وَأَمَّا عَلَى الْأَوَّلَيْنِ ; فَهُوَ خَبَرُ مُبْتَدَأٍ مَحْذُوفٍ هُوَ هَذَا، بِهَذَا مَعْرُوفٌ، وَمَا بَعْدَهُ عَلَى تَقْدِيرِ الْقَطْعِ جُمْلَةٌ مُسْتَقِلَّةٌ مُسْتَأْنِفَةٌ لِمَقْصُودِ التَّرْجَمَةِ، وَكَيْفَ مَنْصُوبُ الْمَحَلِّ عَلَى الْخَبَرِيَّةِ إِنْ كَانَتْ كَانَ نَاقِصَةً، وَعَلَى الْحَالِيَّةِ إِنْ كَانَتْ تَامَّةً، وَقُدِّمَ فِي هَذَا الْمَقَامِ لِوُجُوبِ تَصْدِيرِ الِاسْتِفْهَامِ، وَعَلَى تَقْدِيرِ الْإِضَافَةِ بِقَدْرٍ مُضَافٍ آخَرَ لِيَتِمَّ الْمَعْنَى الْمَأْخُوذُ مِنَ الْمَبْنِيِّ أَيْ هَذَا بَابُ جَوَابِ كَيْفَ كَانَ أَوْ بَيَانِ كَيْفَ كَانَ، وَسَبَبُ التَّقْدِيرِ أَنَّ لَفْظَ بَابٍ لَا يُضَافُ إِلَى الْجُمْلَةِ عَلَى الصَّوَابِ، وَلِذَا قِيلَ إِنَّ إِضَافَتَهُ إِلَى الْجُمْلَةِ كَلَا إِضَافَةٍ.
وَبِهَذَا ظَهَرَ ضَعْفُ مَا قَالَ الْحَنَفِيُّ: يُمْكِنُ أَنْ يَكُونَ الْبَابُ مُضَافًا إِلَى الْجُمْلَةِ الْمَصْدَرِيَّةِ بِكَيْفِ، وَالْمَعْنَى بَابُ كَيْفِيَّةِ كَلَامِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ثُمَّ ذَكَرَ كَلَامًا خَارِجًا عَمَّا نَحْنُ فِيهِ هَذَا وَرَوَى الْحَاكِمُ، وَصَحَّحَهُ أَنَّ أَهْلَ الْجَنَّةِ
يَتَكَلَّمُونَ بِلُغَةِ مُحَمَّدٍ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَفِي الْجَامِعِ الصَّغِيرِ أُحِبُّ الْعَرَبَ لِثَلَاثٍ لِأَنِّي عَرَبِيٌّ، وَالْقُرْآنَ عَرَبِيٌّ، وَكَلَامَ أَهْلِ الْجَنَّةِ عَرَبِيٌّ.
رَوَاهُ الطَّبَرَانِيُّ وَالْحَاكِمُ، وَالْبَيْهَقِيُّ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، وَرَوَى أَبُو نُعَيْمٍ عَنْ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّهُ قَالَ لِلنَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مَا لَكَ أَفْصَحُنَا، وَلَمْ تَخْرُجْ مِنْ بَيْنِ أَظْهُرِنَا قَالَ: كَانَتْ لُغَةُ إِسْمَاعِيلَ دَرَسَتْ أَيْ مَاتَتْ فَصَاحَتُهَا، فَجَاءَنِي بِهَا جِبْرِيلُ ; فَحَفِظْتُهَا، وَرَوَى الْعَسْكَرِيُّ لَكِنْ بِسَنَدٍ ضَعِيفٍ أَنَّهُمْ قَالُوا: نَحْنُ بَنُو أَبٍ وَاحِدٍ، وَنَشَأْنَا فِي بَلَدٍ وَاحِدٍ، وَإِنَّكَ تُكَلِّمُ الْعَرَبَ بِلِسَانٍ مَا نَفْهَمُ أَكْثَرَهُ، فَقَالَ: إِنَّ اللَّهَ تَعَالَى أَدَّبَنِي ; فَأَحْسَنَ تَأْدِيبِي، وَنَشَأْتُ فِي بَنِي سَعْدِ بْنِ بَكْرٍ، وَأَمَّا حَدِيثُ أَنَا أَفْصَحُ مَنْ نَطَقَ بِالضَّادِ بَيْدَ أَنِّي مِنْ قُرَيْشٍ ; فَصَرَّحَ الْحُفَّاظُ بِأَنَّهُ مَوْضُوعٌ.
(حَدَّثَنَا حُمَيْدُ بْنُ مَسْعَدَةَ الْبَصْرِيُّ حَدَّثَنَا حُمَيْدُ بْنُ الْأَسْوَدِ عَنْ أُسَامَةَ بْنِ زَيْدٍ) أَيِ اللَّيْثُ مَوْلَاهُمْ أَبُو زَيْدٍ الْمَدَنِيُّ صَدُوقٌ يُهْمٌ مِنَ السَّابِعَةِ مَاتَ سَنَةَ ثَلَاثٍ وَخَمْسِينَ وَمِائَةٍ ذَكَرَهُ مِيرَكُ (عَنِ الزُّهْرِيِّ) تَابِعِيٍّ جَلِيلٍ (عَنْ عُرْوَةَ) أَيِ ابْنِ الزُّبَيْرِ (عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ: مَا كَانَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَسْرُدُ) أَيْ فِي كَلَامِهِ، وَهُوَ بِضَمِّ الرَّاءِ، وَالْمَعْنَى لَمْ يَصِلْ بَعْضَهُ بِبَعْضٍ بِحَيْثُ لَا يَتَبَيَّنُ بَعْضُ حُرُوفِهِ لِسَامِعِهِ (سَرْدَكُمْ) بِالنَّصْبِ عَلَى أَنَّهُ مَفْعُولٌ مُطْلَقٌ أَوْ بِنَزْعِ الْخَافِضِ، وَيُؤَيِّدُهُ مَا فِي بَعْضِ النُّسَخِ كَسَرْدِكُمْ، وَقَوْلُهُ (هَذَا) إِشَارَةٌ إِلَى سَرْدِهِمُ الَّذِي يَسْرُدُونَهُ (وَلَكِنَّهُ كَانَ يَتَكَلَّمُ بِكَلَامٍ بَيِّنٍ) بِتَشْدِيدِ التَّحْتِيَّةِ الْمَكْسُورَةِ أَيْ ظَاهِرٍ، وَفِي نُسْخَةٍ بَيَّنَهُ بِصِيغَةِ الْمَاضِي (فَصْلٍ) بِالْجَرِّ تَأْكِيدٌ لِبَيِّنٍ عَلَى النُّسْخَةِ الْأُولَى، وَصِفَةٌ لِكَلَامٍ عَلَى الثَّانِيَةِ أَيْ: مَفْصُولٍ مُمْتَازٍ عَنْ غَيْرِهِ بِحَيْثُ يَتَبَيَّنُهُ مَنْ يُخَاطَبُ بِهِ، وَفِي نُسْخَةٍ بَيْنَهُ عَلَى أَنَّهُ ظَرْفٌ، وَضَمِيرُهُ لِلْكَلَامِ، وَفَصْلٌ مَرْفُوعٌ عَلَى أَنَّهُ بِمَعْنَى فَاصِلٌ أَوْ مِنْ قَبِيلِ رَجُلٍ عَدْلٍ مُبَالَغَةً أَوِ الْمُرَادُ بِهِ أَنَّهُ كَلَامٌ فَاصِلٌ بَيْنَ الْحَقِّ وَالْبَاطِلِ. قَالَ الْحَنَفِيُّ: وَفِي بَعْضِ النُّسَخِ بَيَّنَهُ عَلَى صِيغَةِ الْمُضَارِعِ مِنَ التَّبْيِينِ، وَفِي بَعْضِهَا بَيْنَ فَصْلٍ بِإِضَافَةِ بَيْنَ إِلَى فَصْلٍ، وَالظَّرْفُ صِفَةُ كَلَامٍ أَيْ كَلَامٍ كَائِنٍ بَيْنَ فَصْلٍ كَانَ الْفَصْلُ مُحِيطًا بِهِ.
وَحَاصِلُ الْكَلَامِ مَا ذَكَرَهُ مِيرَكُ يُقَالُ: فُلَانٌ يَسْرُدُ الْحَدِيثَ سَرْدًا إِذَا تَابَعَ الْحَدِيثَ اسْتِعْجَالًا، وَسَرْدُ الصَّوْمِ تَوَالِيهِ، وَالْمَعْنَى لَمْ يَكُنْ حَدِيثُ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مُتَتَابِعًا بِحَيْثُ يَأْتِي بَعْضُهُ تِلْوَ بَعْضٍ ;
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute