اللَّيْثِ بْنِ سَعْدٍ عَنِ الْحَجَّامِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ الْبُكَيْرِيِّ عَنْ بُكَيْرِ بْنِ الْأَشَجِّ قَالَ بَلَغَنِي أَنَّ الْأَقْرَعَ بْنَ حَابِسٍ دَخَلَ عَلَى النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي الْقَمَحْدُوَةِ فَقَالَ يَا ابْنَ أَبِي كَبْشَةَ لِمَ احْتَجَمْتَ وَسَطَ رَأْسِكَ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَا ابْنَ حَابِسٍ إِنَّ فِيهَا شِفَاءً مِنْ وَجَعِ الرَّأْسِ وَالْأَضْرَاسِ وَالنُّعَاسِ وَالْبَرَصِ) وَأَشُكُّ فِي الْجُنُونِ، لَيْثٌ شَكَّ، وَهَذَا، وَإِنْ كَانَ مُرْسَلًا لَكِنَّ رِجَالَهُ ثِقَاتٌ قَالَ الْعَسْقَلَانِيُّ: قَالَ الْأَطِبَّاءُ إِنَّ الْحِجَامَةَ فِي وَسَطِ الرَّأْسِ نَافِعَةٌ جِدًّا، وَقَدْ ثَبَتَ أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَعَلَهَا، وَاللَّهُ سُبْحَانَهُ أَعْلَمُ.
(بَابُ مَا جَاءَ فِي أَسْمَاءِ الرَّسُولِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -)
الْمُرَادُ بِالْأَسْمَاءِ هُنَا أَلْفَاظٌ تُطْلَقُ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَعَمُّ مِنْ كَوْنِهِ عَلَمًا أَوْ وَصْفًا، وَقَدْ نَقَلَ أَبُو بَكْرِ بْنُ الْعَرَبِيِّ فِي كِتَابِهِ الْأَحْوَذِيِّ فِي شَرْحِ جَامِعِ التِّرْمِذِيِّ عَنْ بَعْضِهِمْ أَنَّ لِلَّهِ أَلْفَ اسْمٍ وَلِلنَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَلْفَ اسْمٍ، ثُمَّ ذَكَرَ مِنْهَا عَلَى سَبِيلِ التَّفْصِيلِ بِضْعًا وَسِتِّينَ وَالْمُصَنِّفُ ذَكَرَ مِنْهَا تِسْعَةً، وَقَدْ أَفْرَدَ السُّيُوطِيُّ رِسَالَةً فِي الْأَسْمَاءِ النَّبَوِيَّةِ سَمَّاهَا بِالْبَهْجَةِ السَّنِيَّةِ، وَقَدْ قَارَبَتِ الْخَمْسَمِائَةٍ وَلَخَّصْتُ مِنْهَا تِسْعَةً وَتِسْعِينَ اسْمًا عَلَى طِبْقِ أَسْمَاءِ اللَّهِ الْحُسْنَى، وَذَكَرْتُهَا فِي ذَيْلِ شَرْحِ الصَّلَوَاتِ الْمُحَمَّدِيَّةِ الْمُسَمَّى بِالصَّلَاةِ الْعُلْوِيَّةِ، وَالْمَقْصُودُ أَنَّ كَثْرَةَ الْأَسْمَاءِ تَدُلُّ عَلَى شَرَفِ الْمُسَمَّى (حَدَّثَنَا سَعِيدُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ الْمَخْزُومِيُّ وَغَيْرُ وَاحِدٍ) أَيْ: وَكَثِيرٌ مِنْ مَشَايِخِنَا (قَالُوا: حَدَّثَنَا سُفْيَانُ عَنِ الزُّهْرِيِّ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ جُبَيْرِ بْنِ مُطْعِمٍ) بِصِيغَةِ الْفَاعِلِ (عَنْ أَبِيهِ) أَيْ: جُبَيْرٍ (قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إِنَّ لِي أَسْمَاءً) هَذَا رَوَاهُ الشَّيْخَانِ أَيْضًا، وَفِي رِوَايَةٍ لِلْبُخَارِيِّ إنَّ لِي خَمْسَةَ أَسْمَاءٍ أَيْ: أَخْتَصُّ بِهَا لَمْ يُسَمَّ بِهَا أَحَدٌ قَبْلِي إِذْ هِيَ مُعْظَمُهَا أَوْ هِيَ مَشْهُورُهَا فِي الْأُمَمِ الْمَاضِيَةِ فَالْحَصْرُ الَّذِي أَفَادَهُ تَقْدِيمُ الْجَارِّ وَالْمَجْرُورِ إِضَافِيٌّ لَا حَقِيقِيٌّ لِوُرُودِ الرِّوَايَاتِ بِزِيَادَةٍ عَلَى ذَلِكَ مِنْهَا مَا يَأْتِي عِنْدَ الْمُصَنِّفِ، وَفِي رِوَايَةٍ سِتَّةً وَزَادَ الْحَاتِمُ، وَفِي رِوَايَةٍ لِي: فِي الْقُرْآنِ سَبْعَةُ أَسْمَاءٍ: مُحَمَّدٌ وَأَحْمَدُ وَيس وَطه وَالْمُزَّمِّلُ وَالْمُدَّثِّرُ وَعَبْدُ اللَّهِ وَزَعَمَ بَعْضُهُمْ أَنَّ الْعَدَدَ لَيْسَ مِنْ قَوْلِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَإِنَّمَا ذَكَرَهُ الرَّاوِي بِالْمَعْنَى قَالَ الْعَسْقَلَانِيُّ: فِيهِ نَظَرٌ لِتَصْرِيحِهِ فِي الْحَدِيثِ بِقَوْلِهِ (إِنَّ لِي خَمْسَةَ أَسْمَاءٍ) قَالَ مِيرَكُ: وَفِي هَذَا الْكَلَامِ نَظَرٌ لَا يَخْفَى عَلَى الْمُتَأَمِّلِ قُلْتُ: لِأَنَّهُ نَوْعٌ مِنَ الْمُصَادَرَةِ (أَنَا مُحَمَّدٌ) اسْمُ مَفْعُولٍ مِنَ التَّحْمِيدِ مُبَالَغَةً نُقِلَ مِنَ الْوَصْفِيَّةِ إِلَى الِاسْمِيَّةِ يُسَمَّى بِهِ لِكَثْرَةِ خِصَالِهِ الْمَحْمُودَةِ أَوْ لِأَنَّهُ حُمِدَ مَرَّةً بَعْدَ مَرَّةٍ أَوْ لِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى حَمِدَهُ حَمْدًا كَثِيرًا بَالِغًا غَايَةَ الْكَمَالِ وَكَذَا الْمَلَائِكَةُ وَالْأَنْبِيَاءُ وَالْأَوْلِيَاءُ أَوْ تَفَاؤُلًا؛ لِأَنَّهُ يَكْثُرُ حَمْدُهُ كَمَا وَقَعَ أَوْ لِأَنَّهُ يَحْمَدُهُ الْأَوَّلُونَ وَالْآخِرُونَ وَهُمْ تَحْتَ لِوَاءِ حَمْدِهِ فَأَلْهَمَ اللَّهُ أَهْلَهُ أَنْ يُسَمُّوهُ بِهَذَا الِاسْمِ لِمَا عَلِمَ مِنْ حَمِيدِ صِفَاتِهِ، وَفِيهِ إِيمَاءٌ إِلَى أَنَّ الْأَسْمَاءَ تَنْزِيلٌ مِنَ السَّمَاءِ (وَأَنَا أَحْمَدُ) أَيْ: أَحْمَدُ الْحَامِدِينَ أَوْ أَحْمَدُ الْمَحْمُودِينَ فَهُوَ أَفْعَلُ بِمَعْنَى الْفَاعِلِ كَـ «أَعْلَمُ» أَوْ بِمَعْنَى الْمَفْعُولِ كَـ «أَشْهَرُ» ، وَالْمَعْنَى الْأَوَّلُ فِي أَفْعَلِ التَّفْضِيلِ أَكْثَرُهُ
، وَهُوَ فِي هَذَا الْمَقَامِ أَنْسَبُ لِئَلَّا يَتَكَرَّرَ قَالَ السُّهَيْلِيُّ وَتَبِعَهُ صَاحِبُ الشِّفَاءِ وَغَيْرُهُ أَنَّ مَعْنَاهُ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute