ثُمَّ قَامَ يُصَلِّي) أَيْ: مُرِيدًا لِلصَّلَاةِ أَوْ نَاوِيًا لَهَا (فَقُمْتُ مَعَهُ) أَيْ: لِلصَّلَاةِ، وَالِاقْتِدَاءِ بِهِ، وَفِيهِ جَوَازُ الِاقْتِدَاءِ فِي النَّفْلِ (فَبَدَأَ) أَيْ: شَرَعَ فِيهَا بِالنِّيَّةِ أَوْ بِتَكْبِيرِ التَّحْرِيمَةِ (فَاسْتَفْتَحَ الْبَقَرَةَ) أَيْ: بَعْدَ قِرَاءَةِ الْفَاتِحَةِ أَوِ اسْتَغْنَى بِذِكْرِ الْبَقَرَةِ عَنْهَا ; لِأَنَّهَا فَاتِحَتُهَا (فَلَا يَمُرُّ بِآيَةِ رَحْمَةٍ إِلَّا وَقَفَ) أَيْ: عَنِ الْقِرَاءَةِ (فَسَأَلَ) أَيِ: الرَّحْمَةَ (وَلَا يَمُرُّ بِآيَةِ عَذَابٍ إِلَّا وَقَفَ وَتَعَوَّذَ) قَالَ ابْنُ حَجَرٍ: فِيهِ أَنَّهُ يُنْدَبُ لِلْقَارِئِ مُرَاعَاةُ ذَلِكَ وَنَحْوِهِ إِذَا مَرَّ بِآيَةِ تَنْزِيهٍ نَحْوِ «فَسَبِّحْ بِاسْمِ رَبِّكَ الْعَظِيمِ» سَبَّحَ، وَفِي نَحْوِ قَوْلِهِ «أَلَيْسَ اللَّهُ بِأَحْكَمِ الْحَاكِمِينَ» قَالَ: بَلَى، وَأَنَا عَلَى ذَلِكَ مِنَ الشَّاهِدِينَ أَوْ بِنَحْوِ «وَاسْأَلُوا اللَّهَ مِنْ فَضْلِهِ» قَالَ: اللَّهُمَّ إِنِّي أَسْأَلُكَ مِنْ فَضْلِكَ، وَقَالَ الْحَنَفِيُّ: لَعَلَّ هَذَا وَقَعَ فِي أَوَائِلِ الْحَالِ أَوْ هُوَ مِنْ خَصَائِصِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قُلْتُ كُلٌّ مِنَ النُّسَخِ وَالْخَصَائِصِ لَا يَثْبُتُ بِالِاحْتِمَالِ، وَلَا بَاعِثَ عَلَى ذَلِكَ إِذْ لَا مَانِعَ مِنْ جَوَازِ مِثْلِهِ بَعْدَ ثُبُوتِ فِعْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - نَعَمْ يَنْبَغِي أَنْ يُحْمَلَ عَلَى مَا وَرَدَ مِنَ النَّوَافِلِ إِذْ مِثْلُهُ مَا صَدَرَ عَنْهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حِينَ أَدَاءِ الْفَرَائِضِ (ثُمَّ رَكَعَ) عَطْفٌ عَلَى اسْتَفْتَحَ لَكِنْ لِطُولِ قِرَاءَتِهِ الْمُقْتَضِيَةِ لِتَرَاخِي الرُّكُوعِ عَنْ أَوَّلِهَا قَالَ ثُمَّ رَكَعَ (فَمَكَثَ) هَكَذَا فِي الْأَصْلِ بِفَتْحِ الْكَافِ لَكِنَّ أَكْثَرَ الْقُرَّاءِ عَلَى ضَمِّهَا فِي قَوْلِهِ تَعَالَى فَمَكَثَ غَيْرَ بَعِيدٍ فَيَجُوزُ الضَّمُّ هُنَا أَيْضًا، وَالْمَعْنَى فَلَبِثَ (رَاكِعًا) أَيْ: مَكْثًا طَوِيلًا (بِقَدْرِ قِيَامِهِ) بِطُولِ قِرَاءَتِهِ الْبَقَرَةَ (وَيَقُولُ فِي رُكُوعِهِ سُبْحَانَ ذِي الْجَبَرُوتِ) أَيِ: الْمَلِكِ الظَّاهِرِ فِيهِ الْقَهْرُ (وَالْمَلَكُوتِ) أَيِ: الْمَلِكِ الظَّاهِرِ فِيهِ اللُّطْفُ، وَالْمَعْنَى بِهِمَا مُتَصَرَّفُ أَحْوَالِ الظَّاهِرِ وَالْبَاطِنِ (وَالْكِبْرِيَاءِ وَالْعَظَمَةِ) أَيْ: صَاحِبُهُمَا عَلَى وَجْهِ الِاخْتِصَاصِ بِهِمَا كَمَا يَدُلُّ عَلَيْهِ حَدِيثُ الْكِبْرِيَاءُ رِدَائِي، وَالْعَظْمَةُ إِزَارِي فَمَنْ نَازَعَنِي فِيهِمَا قَصَمْتُهُ أَيْ: أَهْلَكْتُهُ، وَالظَّاهِرُ أَنَّ الْكِبْرِيَاءَ إِشَارَةٌ إِلَى الذَّاتِ الْمَنْعُوتِ بِالْأُلُوهِيَّةِ وَالْعَظَمَةِ إِلَى الصِّفَاتِ الثُّبُوتِيَّةِ (ثُمَّ سَجَدَ بِقَدْرِ رُكُوعِهِ، وَيَقُولُ فِي سُجُودِهِ سُبْحَانَ ذِي الْجَبَرُوتِ وَالْمَلَكُوتِ) قِيلَ فَعَلُوتُ مِنَ الْجَبْرِ وَالْمُلْكِ لِلْمُبَالَغَةِ (وَالْكِبْرِيَاءِ وَالْعَظَمَةِ) أَيْ: بَعْدَ تَمَامِ الرَّكْعَةِ الْأُولَى، وَالْقِيَامِ لِلثَّانِيَةِ (ثُمَّ قَرَأَ آلَ عِمْرَانَ ثُمَّ سُورَةً سُورَةً) أَيْ: ثُمَّ قَرَأَ سُورَةً فِي الثَّالِثَةِ، وَأُخْرَى فِي الرَّابِعَةِ فَفِيهِ حَذْفُ حَرْفِ الْعَطْفِ بِقَرِينَةِ مَا مَرَّ فِي حَدِيثِ حُذَيْفَةَ مِنْ أَنَّهُ قَرَأَ النِّسَاءَ، وَالْمَائِدَةَ فَزَعَمَ أَنَّهُ تَأْكِيدٌ لَفْظِيٌّ عُدُولٌ عَنْ ذَلِكَ، وَقَالَ مِيرَكُ: يُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ الْمُرَادُ ثُمَّ قَرَأَ بِهَا فِي الرَّكْعَةِ الثَّانِيَةِ، وَقَوْلُهُ ثُمَّ قَرَأَ سُورَةً سُورَةً أَيْ: قِيَامُهُ فِي الرَّكْعَةِ الثَّالِثَةِ، وَالرَّابِعَةِ فَصَاعِدًا، وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ الْمُرَادُ أَنَّهُ قَرَأَ السُّورَةَ
الْمَذْكُورَةَ فِي رَكْعَةٍ وَاحِدَةٍ كَمَا فِي حَدِيثِ حُذَيْفَةَ الْمُتَقَدِّمَ ذِكْرُهُ فِي بَابِ الْعِبَادَةِ كَمَا بَيَّنَّاهُ فِيهِ، وَالِاحْتِمَالُ الْأَوَّلُ أَوْلَى وَأَوْفَقُ بِظَاهِرِ هَذَا السِّيَاقِ وَاللَّهُ أَعْلَمُ (يَفْعَلُ مِثْلَ ذَلِكَ) أَيْ: مِثْلَ مَا ذَكَرَ فِي الْقِرَاءَةِ مِنْ أَدَائِهَا سُورَةً فِي كُلِّ رَكْعَةٍ، وَفِي إِطَالَةِ الرُّكُوعِ، وَالسُّجُودِ وَغَيْرِهِمَا مِنَ الْأَدْعِيَةِ وَالتَّسْبِيحَاتِ.
وَفِيهِ إِيمَاءٌ إِلَى أَنَّهُ كَانَ يَجْمَعُ بَيْنَ شَفْعَيْنِ بِتَسْلِيمٍ وَاحِدٍ، وَهُوَ مِمَّا يُؤَيِّدُ قَوْلَ أَبِي حَنِيفَةَ قَالَ مِيرَكُ: وَاعْلَمْ أَنَّهُ لَمْ يَظْهَرْ وَجْهُ مُنَاسَبَةِ هَذِهِ الْأَحَادِيثِ بِعُنْوَانِ هَذَا الْبَابِ، وَحَكَى أَنَّهُ وَقَعَتْ فِي بَعْضِ النُّسَخِ عَقِبَ حَدِيثِ حُذَيْفَةَ، وَهُوَ الْأَشْبَهُ بِالصَّوَابِ، وَأَظُنُّ أَنَّ إِيرَادَهَا فِي هَذَا الْبَابِ، وَقَعَ مِنْ تَصَرُّفِ النُّسَّاخِ وَالْكُتَّابِ، وَقِيلَ لَمْ يَكُنْ فِي بَعْضِ النُّسَخِ الْمَقْرُوءَةِ عَلَى الْمُصَنِّفِ لَفْظُ بَابِ صَلَاةِ الضُّحَى، وَلَا بَابِ صَلَاةِ التَّطَوُّعِ، وَلَا بَابِ الصَّوْمِ بَلْ وَقَعَ جَمِيعُ الْأَحَادِيثِ فِي ذَيْلِ بَابِ الْعِبَادَةِ، وَحِينَئِذٍ فَلَا إِشْكَالَ وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِحَقَائِقِ الْأُمُورِ وَدَقَائِقِ الْأَحْوَالِ.
(بَابُ مَا جَاءَ فِي قِرَاءَةِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -)
وَفِي نُسْخَةٍ بَابُ صِفَةِ قِرَاءَةِ، وَفِي أُخْرَى بَابُ مَا جَاءَ فِي صِفَةِ قِرَاءَةِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - (حَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ حَدَّثَنَا اللَّيْثُ عَنِ ابْنِ أَبِي مُلَيْكَةَ) بِالتَّصْغِيرِ (عَنْ يَعْلَى بْنِ مَمْلَكٍ) بِفَتْحِ الْمِيمِ الْأُولَى، وَسُكُونِ الثَّانِيَةِ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute