للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الرَّاءِ (عَنْ أَبِي قَتَادَةَ أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَانَ إِذَا عَرَّسَ) بِتَشْدِيدِ الرَّاءِ مِنَ التَّعْرِيسِ وَهُوَ نُزُولُ الْمُسَافِرِ فِي آخِرِ اللَّيْلِ لِلِاسْتِرَاحَةِ، وَالنَّوْمِ يَقِفُ وَقْفَةً ثُمَّ يَخْتَارُ الرِّحْلَةَ فَقَوْلُهُ (بِلَيْلٍ) إِمَّا تَأْكِيدٌ أَوْ تَجْرِيدٌ، وَقَالَ الْحَنَفِيُّ: تَصْرِيحٌ بِمَا عُلِمَ ضِمْنًا انْتَهَى.

وَقَدْ يُطْلَقُ وَيُرَادُ بِهِ النَّوْمُ مُطْلَقًا (اضْطَجَعَ) أَيْ: نَامَ أَوْ رَقَدَ

(عَلَى شِقِّهِ) أَيْ: طَرَفِهِ وَجَانِبِهِ (الْأَيْمَنِ) وَقَالَ ابْنُ حَجَرٍ: أَيْ: وَوَضَعَ رَأْسَهُ الشَّرِيفَ عَلَى لَبِنَةٍ قُلْتُ لَعَلَّ هَذَا وَقَعَ مِنْهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي بَعْضِ الْقُرَى لِاسْتِبْعَادِ وُجُودِ اللَّبِنَةِ فِي الْبَوَادِي، وَالصَّحَارِي (وَإِذَا عَرَّسَ قُبَيْلَ الصُّبْحِ نَصَبَ ذِرَاعَهُ، وَوَضَعَ رَأْسَهُ عَلَى كَفِّهِ) وَلَعَلَّ حِكْمَتَهُ تَعْلِيمُ أُمَّتِهِ بِذَلِكَ لِئَلَّا يُثْقِلَ بِهِمُ النَّوْمُ ; فَيُفَوِّتَهُمْ صَلَاةَ الصُّبْحِ عَنْ وَقْتِهَا

(بَابُ مَا جَاءَ فِي عِبَادَةِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -)

وَفِي بَعْضِ النُّسَخِ عِبَادَةِ رَسُولِ اللَّهِ الْمُرَادُ بِالْعِبَادَةِ هُنَا الزِّيَادَةُ عَلَى الْوَاجِبَاتِ، وَعَقَّبَهَا لِنَوْمِهِ لِأَنَّ عِبَادَتَهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - الْمُبَيَّنَةَ بِقَوْلِهِ تَعَالَى: وَمِنَ اللَّيْلِ فَتَهَجَّدْ بِهِ نَافِلَةً لَكَ وَالْمُعَيَّنَةَ فِي سُورَةِ الْمُزَّمِّلِ إِنَّمَا كَانَتْ بَعْدَ نَوْمِهِ عَلَى أَنَّ نَوْمَهُ مِنْ أَجَلِّ الْعِبَادَاتِ، وَأَكْمَلِ الطَّاعَاتِ ثُمَّ الْأَصْلُ فِي بَابِ الْعِبَادَةِ، وَتَرْكِ الْعَادَةِ وَطَلَبِ الزِّيَادَةِ قَوْلُهُ تَعَالَى: وَاعْبُدْ رَبَّكَ حَتَّى يَأْتِيَكَ الْيَقِينُ أَيِ: الْمَوْتُ بِإِجْمَاعِ الْمُفَسِّرِينَ خِلَافًا لِلزَّنَادِقَةِ، وَالْمُلْحِدِينَ حَيْثُ ظَنُّوا أَنَّ الْعَبْدَ إِذَا وَصَلَ إِلَى عِلْمِ الْيَقِينِ ارْتَفَعَ عَنْهُ الْعِبَادَةُ، بَلْ إِنَّمَا سُمِّيَ الْمَوْتُ يَقِينًا ; لِأَنَّهُ مُتَيَقَّنٌ لِكُلِّ أَحَدٍ، وَقَالَ الْغَزَّالِيُّ: هُوَ يَقِينٌ يُشْبِهُ الشَّكَ فِي نَظَرِ الْعَامَّةِ، ثُمَّ فَائِدَةُ الْغَايَةِ الْأَمْرُ بِالدَّوَامِ أَيِ: اعْبُدْ رَبَّكَ فِي جَمِيعِ أَزْمِنَةِ حَيَاتِكَ وَقَدْ رَوَى الْبَغَوِيُّ، وَأَبُو نُعَيْمٍ: «مَا أَوْحَى اللَّهُ إِلَيَّ أَنْ أَجْمَعَ الْمَالَ، وَأَكُونَ مِنَ التَّاجِرِينَ، وَلَكِنْ أَوْحَى إِلَيَّ أَنْ سَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ، وَكُنْ مِنَ السَّاجِدِينَ، وَاعْبُدْ رَبَّكَ حَتَّى يَأْتِيَكَ الْيَقِينُ» ، وَرَتَّبَ التَّسْبِيحَ، وَمَا بَعْدَهُ عَلَى ضِيقِ الصَّدْرِ حَيْثُ قَالَ: وَلَقَدْ نَعْلَمُ أَنَّكَ يَضِيقُ صَدْرُكَ بِمَا يَقُولُونَ فَسَبِّحْ إِلَى آخِرِهِ لِأَنَّ الِاشْتِغَالَ بِهَا يَكْشِفُ صَدَأَ الْقَلْبِ فَيَسْتَحْقِرُ الدُّنْيَا ; فَلَا يَحْزَنُ لِفَقْدِهَا، وَلَا يَفْرَحُ لِحُصُولِهَا وَوُجُودِهَا، فَهُوَ تَقْرِيرٌ لِمَا قَبْلَهُ مِنْ قَوْلِهِ: وَلَقَدْ آتَيْنَاكَ سَبْعًا مِنَ الْمَثَانِي وَالْقُرْآنَ الْعَظِيمَ لَا تَمُدَّنَّ عَيْنَيْكَ الْآيَةَ وَاعْلَمْ أَنَّهُمُ اخْتَلَفُوا هَلْ كَانَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَبْلَ النُّبُوَّةِ مُتَعَبِّدًا بِشَرْعِ مَنْ قَبْلَهُ؟ فَقَالَ الْجُمْهُورُ: لَا وَإِلَّا لَنُقِلَ وَلَمَا أَمْكَنَ كَتْمُهُ عَادَةً وَلِأَنَّهُ يَبْعُدُ أَنْ يَكُونَ مَتْبُوعًا مِنْ عُرْفِ تَابِعًا،

<<  <  ج: ص:  >  >>