قَوْلُ عُثْمَانَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ وَقَدْ رَأَى غُلَامًا مَلِيحًا: دَسِّمُوا - بِالتَّشْدِيدِ - نُونَتَهُ، أَيْ سَوِّدُوا النَّقْرَةَ الَّتِي فِي ذَقَنِهِ ; لِئَلَّا تُصِيبَهُ الْعَيْنُ، وَقِيلَ: مَعْنَى دَسْمَاءَ أَنَّهَا مُتَلَطِّخَةٌ بِدُسُومَةِ شَعْرِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، إِذَا كَانَ يُكْثِرُ دَهْنَهُ، كَمَا مَرَّ، وَالدُّسُومَةُ غَيَّرَتْهُ إِلَى السَّوَادِ، وَقَالَ مِيرَكُ: وَيُحْتَمَلُ أَنْ تَكُونَ اسْوَدَّتْ مِنَ الْعَرَقِ، وَالدَّسْمَاءُ فِي الْأَصْلِ الْوَسِخَةُ، وَهِيَ ضِدُّ النَّظِيفَةِ، وَقَدْ يَكُونُ ذَلِكَ لَوْنُهَا فِي الْأَصْلِ، وَفِي حَدِيثِ أَنَسٍ عِنْدَ الْبُخَارِيِّ أَنَّهَا حَاشِيَةُ بُرْدٍ، وَالْحَاشِيَةُ غَالِبًا تَكُونُ مِنْ لَوْنٍ غَيْرِ لَوْنِ الْأَصْلِ، وَاللَّهُ أَعْلَمُ.
(بَابُ مَا جَاءَ فِي صِفَةِ إِزَارِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ)
الْإِزَارُ بِالْكَسْرِ الْمِلْحَفَةُ، وَيُؤَنَّثُ كَذَا فِي الْقَامُوسِ، وَالْمُرَادُ هُنَا مَا يَسْتُرُ أَسْفَلَ الْبَدَنِ، وَيُقَابِلُهُ الرِّدَاءُ، وَهُوَ مَا يَسْتُرُ أَعْلَى الْبَدَنِ، وَلَعَلَّ حَذْفَهُ فِي الْعُنْوَانِ مِنْ بَابِ الِاكْتِفَاءِ، كَقَوْلِهِ تَعَالَى: سَرَابِيلَ تَقِيكُمُ الْحَرَّ أَيْ: وَالْبَرْدَ، وَذَكَرَ ابْنُ الْجَوْزِيِّ فِي الْوَفَاءِ بِإِسْنَادِهِ عَنْ عُرْوَةَ بْنِ الزُّبَيْرِ، قَالَ: كَانَ طُولُ رِدَاءِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَرْبَعَةَ أَذْرُعٍ، وَعَرْضُهُ ذِرَاعَيْنِ وَنِصْفًا، وَنَقَلَ ابْنُ الْقَيِّمِ عَنِ الْوَاقِدِيِّ أَنَّ رِدَاءَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بُرْدٌ طُولُهُ سِتَّةُ أَذْرُعٍ فِي ثَلَاثَةِ أَذْرُعٍ وَشِبْرٍ، وَإِزَارُهُ مِنْ نَسْجِ عُمَانَ طُولُهُ أَرْبَعَةُ أَذْرُعٍ وَشِبْرٌ فِي ذِرَاعَيْنِ.
(حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ مَنِيعٍ حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ حَدَّثَنَا أَيُّوبُ) أَيِ: السِّخْتِيَانِيُّ (عَنْ حُمَيْدِ بْنِ هِلَالٍ) رَوَى عَنْهُ السِّتَّةُ (عَنْ أَبِي بُرْدَةَ) قِيلَ: اسْمُهُ عَامِرٌ وَهُوَ تَابِعِيٌّ كُوفِيٌّ، كَانَ عَلَى قَضَاءِ الْكُوفَةِ بَعْدَ شُرَيْحٍ، فَعَزَلَهُ الْحَجَّاجُ وَهُوَ جَدُّ أَبِي الْحَسَنِ الْأَشْعَرِيِّ الْإِمَامِ فِي الْكَلَامِ، وَفِي أَصْلِ الْعِصَامِ عَنْ أَبِيهِ أَيْ أَبِي مُوسَى الْأَشْعَرِيِّ الصَّحَابِيِّ الْمَشْهُورِ، قَالَ: وَفِي أَكْثَرِ الْأُصُولِ لَيْسَ فِيهِ عَنْ أَبِيهِ وَبِذَلِكَ لَا يَصِيرُ الْحَدِيثُ مُرْسَلًا لِأَنَّ أَبَا بُرْدَةَ كَمَا أَنَّهُ يَرْوِي عَنْ أَبِيهِ يَرْوِي عَنْ عَائِشَةَ انْتَهَى. وَفِيهِ أَنَّهُ غَيْرُ مَوْجُودٍ فِي أَصْلِنَا الْمُقَابَلِ بِأَصْلِ السَّيِّدِ مِيرَكْ شَاهْ وَغَيْرِهِ، وَكَذَا فِي سَائِرِ النُّسَخِ الْحَاضِرَةِ، مَعَ أَنَّ وُجُودَهُ لَوْ صَحَّ لَوَجَبَ أَنْ يَصِيرَ الْحَدِيثُ مُنْقَطِعًا إِلَّا إِنْ ثَبَتَ أَنَّهُ سَمِعَهُ مِنْ عَائِشَةَ أَيْضًا، وَإِلَّا فَمُجَرَّدُ رِوَايَتِهِ عَنْهَا لَا يَجْعَلُ الْحَدِيثَ مُتَّصِلًا، كَمَا حُقِّقَ فِي الْأُصُولِ (قَالَ) أَيْ أَبُو بُرْدَةَ (أَخْرَجَتْ إِلَيْنَا عَائِشَةُ) أَيْ إِمَّا بِنَفْسِهَا أَوْ بِأَمْرِهَا (كِسَاءً) بِكَسْرِ الْكَافِ ثَوْبٌ مَعْرُوفٌ عَلَى مَا فِي الْقَامُوسِ، وَالْمُرَادُ هُنَا رِدَاءٌ (مُلَبَّدًا) بِتَشْدِيدِ الْمُوَحَّدَةِ الْمَفْتُوحَةِ أَيْ مُرَقَّعًا، يُقَالُ: لَبَّدْتُ الثَّوْبَ إِذَا رَقَعْتَهُ وَقِيلَ: التَّلْبِيدُ جَعْلُ بَعْضِهِ مُلْتَزِقًا بِبَعْضٍ كَأَنَّهُ زَالَ وَطَاءَتُهُ وَلِينُهُ، لِتَرَاكُمِ بَعْضِهِ عَلَى بَعْضٍ ; وَلِذَا قَالَ الْحَنَفِيُّ فِي مَعْنَاهُ أَيْ مُرَقَّعًا صَارَ كَاللُّبْدِ وَاسْتَبْعَدَهُ الْعِصَامُ، وَقَالَ: إِنَّهُ أَبْعَدُ، مَعَ أَنَّ قَوْلَهُ أَقْرَبُ، فَفِي شَرْحِ مُسْلِمٍ لِلنَّوَوِيِّ: الْمُلَبَّدُ الْمُرَقَّعُ، وَقِيلَ: هُوَ الَّذِي ثَخُنَ وَسَطُهُ حَتَّى صَارَ كَاللُّبَدِ، وَقَالَ الْعَسْقَلَانِيُّ: قَالَ ثَعْلَبٌ: يُقَالُ لِلرُّقْعَةِ الَّتِي يُرَقَّعُ بِهَا الْقَمِيصُ لُبْدَةٌ، وَقَالَ غَيْرُهُ: هِيَ الَّتِي يُضْرَبُ بَعْضُهَا فِي بَعْضٍ حَتَّى يَتَرَاكَبَ وَيَجْتَمِعَ، وَقَالَ الْجَزَرِيُّ: الظَّاهِرُ أَنَّ الْمُرَادَ بِاللَّبَدِ هُنَا الَّذِي ثَخُنَ وَسَطُهُ، وَصُفِقَ لِكَوْنِهِ كِسَاءً، لَمْ يَكُنْ قَمِيصًا كَذَا
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute