عَلَيْهِ، وَكَذَا صَلَاةُ الطَّوَافِ ; فَإِنَّهَا فِي الْمَسْجِدِ أَفْضَلُ إِجْمَاعًا سَوَاءً قِيلَ بِوُجُوبِهَا كَمَا هُوَ مَذْهَبُنَا أَوْ بِسُنِّيَّتِهَا كَمَا قَالَ بِهِ الشَّافِعِيُّ، وَكَذَا سُنَّةُ التَّرَاوِيحِ اتِّفَاقًا، وَأَمَّا اسْتِثْنَاءُ صَلَاةِ الضُّحَى عَلَى مَا ذَكَرَهُ ابْنُ حَجَرٍ فَلَيْسَ لَهُ وَجْهٌ ظَاهِرٌ وَكَذَا قَوْلُهُ، وَبِهِ عُلِمَ أَفْضَلِيَّةُ الْبَيْتِ حَتَّى عَلَى جَوْفِ الْكَعْبَةِ.
(بَابُ مَا جَاءَ فِي صَوْمِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -)
تَطَوُّعًا كَمَا قَالَ مِيرَكُ: نَظَرًا إِلَى أَكْثَرِ مَا وَرَدَ أَوْ إِلَى أَصَالَتِهِ فِي عُنْوَانِ الْبَابِ أَوْ فَرْضًا، وَنَفْلًا كَمَا ذَكَرَهُ ابْنُ حَجَرٍ إِلَّا أَنَّ الْأَوْلَى أَنْ يَقُولَ نَفْلًا أَوْ فَرْضًا ; لِأَنَّهُ ذَكَرَ تَبَعًا، وَفِي بَعْضِ النُّسَخِ بَابُ مَا جَاءَ فِي صِيَامِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَالصَّوْمُ بِالْفَتْحِ وَالصِّيَامُ
بِالْكَسْرِ بِمَعْنًى وَاحِدٍ إِلَّا أَنَّ أَصْلَ الصِّيَامِ صِوَامٌ قُلِبَتِ الْوَاوُ يَاءً لِكَسْرَةِ مَا قَبْلَهَا كَالْقِيَامِ.
(حَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ) بِتَحْتِيَّةٍ (حَدَّثَنَا حَمَّادُ بْنُ زَيْدٍ) وَفِي نُسْخَةٍ عَنْ حَمَّادِ بْنِ سَلَمَةَ (عَنْ أَيُّوبَ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ شَقِيقٍ قَالَ سَأَلْتُ عَائِشَةَ عَنْ صِيَامِ رَسُولِ اللَّهِ) وَفِي نُسْخَةٍ عَنْ صِيَامِ النَّبِيِّ (- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَتْ كَانَ) أَيْ: أَحْيَانًا (يَصُومُ) أَيْ: صِيَامًا مُتَتَابِعًا فِي النَّفْلِ (حَتَّى نَقُولَ) أَيْ: نَحْنُ فِي أَنْفُسِنَا أَوِ الْقَوْلُ بِمَعْنَى الظَّنِّ ; لِأَنَّهُ قَدْ يَرِدُ بِمَعْنَى سَائِرِ الْأَفْعَالِ أَيْ: حَتَّى نَظُنَّ (قَدْ صَامَ) أَيْ: جَمِيعَ الشَّهْرِ، وَالْأَيَّامَ أَوْ دَاوَمَ عَلَى الصِّيَامِ، وَفِي رِوَايَةِ مُسْلِمٍ قَدْ صَامَ قَالَ مِيرَكُ: وَالرِّوَايَةُ بِالنُّونِ، وَفِي بَعْضِ النُّسَخِ التَّاءِ الْمُثَنَّاةِ مِنْ فَوْقِ أَيْ: تَقُولُ أَيُّهَا السَّامِعُ لَوْ أَبْصَرْتَهُ، وَيَجُوزُ بِيَاءِ الْغَائِبِ أَيْ: يَقُولُ الْقَائِلُ، وَيُؤَيِّدُهُ مَا وَقَعَ عِنْدَ الْبُخَارِيِّ مِنْ حَدِيثِ ابْنِ عَبَّاسٍ، وَيَصُومُ حَتَّى يَقُولَ الْقَائِلُ لَا وَاللَّهِ لَا يُفْطِرُ، وَيُفْطِرُ حَتَّى يَقُولَ الْقَائِلُ لَا وَاللَّهِ لَا يَصُومُ، وَيَجُوزُ الرَّفْعُ، وَمِنْهُ قَوْلُهُ تَعَالَى (حَتَّى يَقُولُ الرَّسُولُ) بِالرَّفْعِ فِي قِرَاءَةِ نَافِعٍ انْتَهَى مَا كَتَبَهُ فِي الْهَامِشِ.
لَكِنْ قَالَ فِي شَرْحِهِ: الرِّوَايَةُ الصَّحِيحَةُ الْفَصِيحَةُ بِنَصْبِ يَقُولُ، وَبَعْضُهُمْ جَوَّزَ الرَّفْعَ، وَهُوَ ضَعِيفٌ رِوَايَةً وَدِرَايَةً انْتَهَى.
وَفِيهِ أَنَّهُ إِذَا لَمْ يَكُنْ حَتَّى لِلْغَايَةِ يَجُوزُ رَفْعُ مَدْخُولِهَا بِحَسْبِ الدِّرَايَةِ عِنْدَ عَدَمِ وُجُودِ الرِّوَايَةِ وَاللَّهُ وَلِيُّ الْهِدَايَةِ فِي الْبِدَايَةِ وَالنِّهَايَةِ (وَيُفْطِرُ) أَيْ: وَكَانَ أَحْيَانًا يُفْطِرُ إِفْطَارًا مُتَوَالِيًا (حَتَّى نَقُولَ قَدْ أَفْطَرَ) أَيْ: كُلَّ الْإِفْطَارِ، وَأَفْطَرَ الشَّهْرَ كُلَّهُ، وَفِي رِوَايَةِ مُسْلِمٍ قَدْ أَفْطَرَ (قَالَتْ: وَمَا صَامَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - شَهْرًا كَامِلًا) فِيهِ تَنْبِيهٌ عَلَى أَنَّ تَتَابُعَ صَوْمِهِ كَانَ دُونَ الشَّهْرِ (مُنْذُ قَدِمَ الْمَدِينَةَ) أَيْ: بَعْدَ الْهِجْرَةِ (إِلَّا رَمَضَانَ) أَيْ: ; فَإِنَّهُ صَامَهُ كَامِلًا لِكَوْنِهِ فَرْضًا لَازِمًا، وَفِيهِ إِيمَاءٌ إِلَى أَنَّهُ يُسْتَحَبُّ أَنْ لَا يَخْلُوَ شَهْرٌ مِنْ صَوْمِ نَفْلٍ، وَأَنْ لَا يُكْثَرَ مِنْهُ حَتَّى لَا يَمَلَّ بَلْ عَلَى وَجْهِ التَّوَسُّطِ وَالِاقْتِصَارِ، وَقُيِّدَتْ بِابْتِدَاءِ قُدُومِهِ الْمَدِينَةَ فِي السَّنَةِ الثَّانِيَةِ مِنَ الْهِجْرَةِ قَالَ ابْنُ حَجَرٍ: وَهُوَ مَأْخُوذٌ مِنَ الرَّمْضِ، وَهُوَ شِدَّةُ الْحَرِّ لِأَنَّ الْعَرَبَ لَمَّا أَرَادُوا أَنْ يَضَعُوا أَسْمَاءَ الشُّهُورِ بِنَاءً عَلَى الْقَوْلِ الضَّعِيفِ أَنَّ الْوَاضِعَ غَيْرُ اللَّهِ تَعَالَى وَافَقَ أَنَّ الشَّهْرَ الْمَذْكُورَ شَدِيدُ الْحَرِّ، فَسَمَّوْهُ بِذَلِكَ كَمَا سُمِّيَ الرَّبِيعَانِ لِمُوَافَقَتِهِمَا زَمَنَ الرَّبِيعِ.
قُلْتُ فِيهِ نَظَرٌ ; لِأَنَّ رَمَضَانَ عَلَى هَذَا الْحِسَابِ يَقَعُ فِي أَوَّلِ الْخَرِيفِ فَلَا يَكُونُ فِي شِدَّةِ الْحَرِّ.
وَالتَّحْقِيقُ أَنَّ الْوَاضِعَ هُوَ اللَّهُ تَعَالَى، وَهُوَ لَا يُنَافِي أَنْ يَكُونَ وَقْتَ إِلْهَامِ ذَلِكَ الِاسْمِ طَابَقَ الْمُسَمَّى، وَلَا يُعَارِضُهُ أَيْضًا أَنْ يَكُونَ لَهُ وَجْهٌ آخَرُ مِنْ وُجُوهِ التَّسْمِيَةِ، فَانْدَفَعَ قَوْلُهُ لَا مِنْ رَمَضِ الذُّنُوبِ أَيْ: أَحْرَقَهَا ; لِأَنَّ تِلْكَ التَّسْمِيَةَ قَبْلَ الشَّرْعِ انْتَهَى.
مَعَ مَا فِيهِ مِنْ أَنَّ الصَّوْمَ مِنَ الْمَشْرُوعِ الْقَدِيمِ كَمَا يُفْهَمُ مِنْ قَوْلِهِ تَعَالَى