كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ وَقَدْ نَوَّعَ صَاحِبُ الْقَامُوسِ حَيْثُ قَالَ: وَسُمِّيَ بِهِ ; لِأَنَّهُ لَمَّا نَقَلُوا أَسْمَاءَ الشُّهُورِ عَنِ اللُّغَةِ الْقَدِيمَةِ سَمَّوْهَا بِالْأَزْمِنَةِ الَّتِي وَقَعَتْ فِيهَا، فَوَافَقَ رَمَضَانُ زَمَنَ الْحَرِّ، وَالرَّمَضِ أَوْ
مِنْ رَمِضَ الصَّائِمُ اشْتَدَّ جَوْفُهُ أَوْ لِأَنَّهُ يَحْرِقُ الذُّنُوبَ، وَرَمَضَانُ إِنْ صَحَّ مِنْ أَسْمَاءِ اللَّهِ تَعَالَى فَغَيْرُ مُشْتَقٍّ أَوْ رَجَعَ إِلَى مَعْنَى الْغَافِرِ أَيْ يَمْحُو الذُّنُوبَ، وَيَمْحَقُهَا، وَقَالَ شَارِحٌ مِنْ عُلَمَائِنَا فِيهِ دَلِيلٌ لِلْمَذْهَبِ الصَّحِيحِ الْمُخْتَارِ الَّذِي ذَهَبَ إِلَيْهِ الْبُخَارِيُّ، وَالْمُحَقِّقُونَ أَنَّهُ يَجُوزُ أَنْ يُقَالَ رَمَضَانُ مِنْ غَيْرِ ذِكْرِ الشَّهْرِ بِلَا كَرَاهَةٍ، وَقَالَتْ طَائِفَةٌ: لَا يُقَالُ رَمَضَانُ بِانْفِرَادِهِ بِحَالٍ، وَإِنَّمَا يُقَالُ شَهْرُ رَمَضَانَ، وَهَذَا قَوْلُ أَصْحَابِ مَالِكٍ، وَزَعَمَ هَؤُلَاءِ أَنَّ رَمَضَانَ بِانْفِرَادِهِ بِحَالٍ، وَإِنَّمَا يُقَالُ شَهْرُ رَمَضَانَ، وَهَذَا قَوْلُ أَصْحَابِ مَالِكٍ، وَزَعَمَ هَؤُلَاءِ أَنَّ رَمَضَانَ اسْمٌ مِنْ أَسْمَاءِ اللَّهِ تَعَالَى، فَلَا يُطْلَقُ عَلَى غَيْرِهِ إِلَّا بِقَيْدٍ، وَقَالَ أَكْثَرُ أَصْحَابِ الشَّافِعِيِّ: وَابْنُ الْبَاقِلَّانِيِّ إِنْ كَانَ هُنَاكَ قَرِينَةٌ تَصْرِفُهُ إِلَى الشَّهْرِ، فَلَا كَرَاهَةَ وَإِلَّا فَيُكْرَهُ فَيُقَالُ صُمْنَا رَمَضَانَ وَقُمْنَا رَمَضَانَ وَرَمَضَانُ أَفْضَلُ الْأَشْهُرِ وَنَحْوُ ذَلِكَ، وَإِنَّمَا يُكْرَهُ أَنْ يُقَالَ جَاءَ رَمَضَانُ، وَدَخَلَ رَمَضَانُ قُلْتُ فِيهِ قَرِينَةٌ صَارِفَةٌ أَيْضًا، وَهِيَ تَنْزِيهُ اللَّهِ تَعَالَى عَنِ الْمَجِيءِ، وَالدُّخُولِ، وَقَدْ جَاءَ فِي حَدِيثٍ صَحِيحٍ.
إِذَا جَاءَ رَمَضَانُ فُتِحَتْ أَبْوَابُ الْجَنَّةِ.
فَيَنْبَغِي أَنْ يُمَثَّلَ بِقَوْلِهِ أُحِبُّ رَمَضَانَ، وَنَحْوَهُ وَاللَّهُ أَعْلَمُ.
(حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ حُجْرٍ) بِضَمِّ حَاءٍ فَسُكُونِ جِيمٍ (حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ جَعْفَرٍ عَنْ حُمَيْدٍ) بِالتَّصْغِيرِ أَيِ: الْمُلَقَّبُ بِالطَّوِيلِ (عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ أَنَّهُ سُئِلَ عَنْ صَوْمِ النَّبِيِّ) وَفِي نُسْخَةٍ رَسُولِ اللَّهِ (- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَقَالَ كَانَ يَصُومُ) أَيْ: أَحْيَانًا (مِنَ الشَّهْرِ) أَيْ: بَعْضَ أَيَّامِهِ مُتَّصِلَةً (حَتَّى نَرَى) بِنُونِ الْجَمْعِ بِالتَّحْتِيَّةِ عَلَى بِنَاءِ الْمَجْهُولِ، وَيَجُوزُ بِالْمُثَنَّاةِ الْفَوْقَانِيَّةِ عَلَى الْخِطَابِ كَذَا ذَكَرَهُ مِيرَكُ، وَتَبِعَهُ الْحَنَفِيُّ، وَقَالَ ابْنُ حَجَرٍ: أَيْ: نَظُنُّ بِالنُّونِ، وَالْيَاءِ مُتَكَلِّمًا، وَغَائِبًا انْتَهَى. فَقَوْلُهُ غَائِبًا يَحْتَمِلُ الْمَعْلُومَ وَالْمَجْهُولَ بَلْ إِطْلَاقُهُ يُؤَيَّدُ الْأَوَّلَ فَتَأَمَّلْ، وَإِمَّا حِلُّ الْمَعْنَى فَعَلَى وَفْقِ مَا سَبَقَ فِي نَقُولُ كَمَا لَا يَخْفَى ثُمَّ قَوْلُهُ (أَنْ لَا يُرِيدَ) بِالنَّصْبِ، وَوَجْهُهُ ظَاهِرٌ وَرُوِيَ بِالرَّفْعِ عَلَى أَنَّ (أَنْ) مُخَفَّفَةٌ مِنَ الثَّقِيلَةِ، وَفِي نُسْخَةٍ أَنَّهُ لَا يُرِيدُ عَلَى أَنَّ الضَّمِيرَ رَاجِعٌ إِلَيْهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَالرَّفْعُ مُتَعَيَّنٌ كَمَا أَنَّ النَّصْبَ لَازِمٌ فِي قَوْلِهِ (أَنْ يُفْطِرَ مِنْهُ) أَيْ: مِنَ الشَّهْرِ شَيْئًا كَمَا تَدُلُّ عَلَيْهِ قَرِينَتُهُ الْآتِيَةُ (وَيُفْطِرُ) أَيْ: مِنْهُ كَمَا فِي بَعْضِ النُّسَخِ الْمُصَحَّحَةِ، وَالْمَعْنَى وَكَانَ يُفْطِرُ أَحْيَانًا مِنَ الشَّهْرِ إِفْطَارًا مُتَتَابِعًا (حَتَّى نَرَى) بِالْوُجُوهِ الثَّلَاثَةِ (أَنَّهُ) كَذَا فِي الْأَصْلِ وَفِي كَثِيرٍ مِنَ النُّسَخِ أَنْ (لَا يُرِيدُ) وَيَعْلَمُ حَالَهُ مِمَّا سَبَقَ (أَنْ يَصُومَ مِنْهُ) أَيْ: مِنَ الشَّهْرِ (شَيْئًا) أَيْ: مِنَ الصِّيَامِ أَوِ الْأَيَّامَ (وَكُنْتَ) بِالْخِطَابِ الْعَامِّ (لَا تَشَاءُ أَنْ تَرَاهُ مِنَ اللَّيْلِ مُصَلِّيًا إِلَّا أَنْ رَأَيْتَهُ) أَيْ: إِلَّا وَقْتَ أَنْ رَأَيْتَهُ (مُصَلِّيًا وَلَا نَائِمًا إِلَّا رَأَيْتَهُ) بِدُونِ أَنْ خِلَافَ مَا قَبْلَهُ، فَهُوَ عَلَى حَذْفٍ مُنَافٍ أَيْ: إِلَّا زَمَانُ رُؤْيَتِكَ إِيَّاهُ، فَالتَّقْدِيرُ هُنَا كَمَا فِي مَا قَبْلَهُ، وَفِي نُسْخَةٍ إِلَّا أَنْ رَأَيْتَهُ، وَالتَّقْدِيرُ وَقْتُ مَشِيئَتِكَ أَبَدًا يَكُونُ وَقْتَ الصَّلَاةِ وَالنَّوْمِ بِالِاعْتِبَارَيْنِ السَّابِقَيْنِ (نَائِمًا) أَيْ: أَنَّ صَلَاتَهُ، وَنَوْمَهُ كَانَ يَخْتَلِفُ بِاللَّيْلِ وَلَا يُرَتِّبُ وَقْتًا
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute