للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

أَيْ بِالْإِنْفَاقِ وَعَدَمِ الْخَوْفِ أَوْ بِالْعَطَاءِ فِي الْمَوْجُودِ وَبِالْقَوْلِ الْمَيْسُورِ فِي الْمَفْقُودِ لَا بِمَا قَالَهُ عُمَرُ كَمَا أَفَادَهُ تَقْدِيمُ الظَّرْفِ الْمُفِيدِ لِلْقَصْرِ أَيْ: قَصْرِ الْقَلْبِ رَدًّا لِاعْتِقَادِ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -.

(حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ حُجْرٍ أَخْبَرَنَا شَرِيكٌ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَقِيلٍ عَنِ الرُّبَيِّعِ) بِضَمِّ الرَّاءِ وَفَتْحِ مُوَحَّدَةٍ وَتَشْدِيدِ تَحْتِيَّةٍ مَكْسُورَةٍ (بِنْتِ مُعَوِّذٍ) بِكَسْرِ الْوَاوِ الْمُشَدَّدَةِ (ابْنِ عَفْرَاءَ) بِفَتْحِ الْعَيْنِ مَمْدُودَةً (قَالَتْ: أَتَيْتُ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِقِنَاعٍ) بِكَسْرِ الْقَافِ أَيْ: بِطَبَقٍ (مِنْ رُطَبٍ) وَهُوَ اسْمُ جِنْسٍ لَا جَمْعٌ، فَفِي الصِّحَاحِ: الْوَاحِدَةُ رُطَبَةٌ (وَأَجْرٍ) بِفَتْحِ هَمْزَةٍ فَسُكُونِ جِيمٍ فَرَاءٍ أَيْ: قِثَّاءٍ صِغَارٍ (زُغْبٍ) بِضَمِّ زَايٍ فَسُكُونِ مُعْجَمَةٍ جَمْعُ أَزْغَبَ مِنَ الزَّغَبِ بِالْفَتْحِ، صِغَارُ الرِّيشِ أَوَّلَ مَا طَلَعَ شُبِّهَ بِهِ مَا عَلَى الْقِثَّاءِ مِنَ الزَّغَبِ كَذَا فِي النِّهَايَةِ (فَأَعْطَانِي) أَيْ: بَدَلَ هَدِيَّتِي أَوْ لِحُضُورِي حَالَ قِسْمَتِهِ (مِلْءَ كَفِّهِ حُلِيًّا) بِضَمِّ الْحَاءِ الْمُهْمَلَةِ وَكَسْرِ اللَّامِ وَتَشْدِيدِ الْيَاءِ، وَهُوَ مَا يُصَاغُ مِنَ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ وَيُلْبَسُ لِلزِّينَةِ (وَذَهَبًا) أَيْ: وَذَهَبًا مِنْ غَيْرِ الْحِلْيَةِ وَيُمْكِنُ أَنْ يَكُونَ عَطْفَ تَفْسِيرٍ وَيُؤَيِّدُهُ مَا فِي نُسْخَةٍ «أَوْ ذَهَبًا» ، وَقَدْ تَقَدَّمَ هَذَا الْحَدِيثُ فِي بَابِ صِفَةِ الْفَاكِهَةِ وَسِيقَ هُنَا لِمَا يَدُلُّ عَلَى كَمَالِ جُودِهِ وَكَرَمِهِ وَحُسْنِ خُلُقِهِ وَلَطَافَةِ مُعَاشَرَتِهِ مَعَ أَصْحَابِهِ وَاسْتِحْسَانِ آدَابِهِ (حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ خَشْرَمٍ) بِفَتْحٍ فَسُكُونٍ (وَغَيْرُ وَاحِدٍ) أَيْ: وَكَثِيرٌ مِنْ مَشَايِخِي (قَالُوا: حَدَّثَنَا) وَفِي نُسْخَةِ الْأَصْلِ أَنْبَأَنَا (عِيسَى بْنُ يُونُسَ عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ عَنْ أَبِيهِ) أَيْ: عُرْوَةَ بْنِ الزُّبَيْرِ (عَنْ عَائِشَةَ أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَانَ يَقْبَلُ الْهَدِيَّةَ وَيُثِيبُ عَلَيْهَا) أَيْ: يُجَازِي بِأَزْيَدَ مِنْ قِيمَتِهَا أَوْ بِمِثْلِهَا مِمَّا يُسَاوِيهَا، لَكِنْ فِي النِّهَايَةِ

أَنَّ الْإِثَابَةَ هِيَ الْمُجَازَاةُ فِي الْخَيْرِ أَكْثَرَ مِنْهُ قَالَ مِيرَكُ: وَقَالَ التِّرْمِذِيُّ وَالْبَزَّارُ لَا نَعْرِفُ هَذَا الْحَدِيثَ مَوْصُولًا إِلَّا مِنْ حَدِيثِ عِيسَى بْنِ يُونُسَ، وَهُوَ عِنْدَ النَّاسِ مُرْسَلٌ، وَقَالَ الْبُخَارِيُّ بَعْدَ إِيرَادِ هَذَا الْحَدِيثِ: لَمْ يَذْكُرْ وَكِيعٌ وَمُحَاضِرٌ عَنْ هِشَامٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ عَائِشَةَ وَأَشَارَ بِهَذَا أَنَّ عِيسَى بْنَ يُونُسَ تَفَرَّدَ بِوَصْلِهِ، قَالَ الْعَسْقَلَانِيُّ: رِوَايَةُ وَكِيعٍ وَصَلَهَا ابْنُ أَبِي شَيْبَةَ عَنْهُ بِلَفْظِ «وَيُثِيبُ مَا هُوَ خَيْرٌ مِنْهَا» وَرِوَايَةُ مُحَاضِرٍ لَمْ أَقِفْ عَلَيْهَا بَعْدُ، قَالَ ابْنُ حَجَرٍ: فَيُسَنُّ التَّأَسِّي بِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي ذَلِكَ لَكِنَّ مَحَلَّ نَدْبِ الْقَبُولِ حَيْثُ لَمْ يَكُنْ هُنَاكَ شُبْهَةٌ قَوِيَّةٌ، وَنَدْبِ الْإِثَابَةِ حَيْثُ لَمْ يَظُنَّ الْمُهْدَى إِلَيْهِ أَنَّ الْمُهْدِي إِنَّمَا أَهْدَى إِلَيْهِ لِغَيْرِ حَيَاءٍ لَا فِي مُقَابِلِ شَيْءٍ، أَمَّا إِذَا ظَنَّ الْبَاعِثَ عَلَى الْإِهْدَاءِ إِنَّمَا هُوَ الْحَيَاءُ، قَالَ الْغَزَالِيُّ: كَمَنْ يَقْدُمُ مِنْ سَفَرٍ وَيُفَرِّقُ هَدَايَاهُ خَوْفًا مِنَ الْعَارِ فَلَا يَجُوزُ الْقَبُولُ إِجْمَاعًا؛ لِأَنَّهُ لَا يَحِلُّ مَالُ امْرِئٍ مُسْلِمٍ إِلَّا عَنْ طِيبِ نَفْسٍ، فَالْكُرْهُ فِي الْبَاطِنِ، فَهُوَ كَالْمُكْرَهِ فِي الظَّاهِرِ، وَأَمَّا إِذَا ظَنَّ أَنَّ الْبَاعِثَ عَلَيْهِ إِنَّمَا هُوَ الْإِثَابَةُ فَلَا يَجُوزُ الْقَبُولُ إِلَّا إِنْ أَثَابَهُ بِقَدْرِ مَا فِي ظَنِّهِ مِمَّا يَدُلُّ عَلَيْهِ قَرَائِنُ حَالِهِ، وَإِنَّمَا أَطَلْتُ فِي ذَلِكَ؛ لِأَنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ يَسْتَهْتِرُونَ فِيهِ فَيَقْبَلُونَ الْهَدِيَّةَ مِنْ غَيْرِ بَحْثٍ عَنْ شَيْءٍ مِمَّا ذَكَرْتُهُ قُلْتُ الْبَحْثُ لَا يَجِبُ فَإِنَّكَ إِذَا فَتَّشْتَ عَنْ ضِيَافَاتِ الْعَامَّةِ وَهَدَايَاهُمْ وَعَطَايَاهُمْ رَأَيْتَ كُلَّهَا مُلَطَّخَةً بِالسُّمْعَةِ وَالرِّيَاءِ أَوْ نَاشِئَةً عَنِ الْحَيَاءِ نَعَمْ إِذَا ظَهَرَ أَنَّ سَبَبَ الْإِهْدَاءِ لَيْسَ إِلَّا الْحَيَاءَ فَلَهُ أَنْ يَرُدَّ، وَلَهُ أَنْ يَقْبَلَ لَكِنْ يُثِيبُ بِحَيْثُ يَظُنُّ أَنَّ خَاطِرَهُ يَطِيبُ؛ لِأَنَّهُ لَوْ أَعْطَى مُكْرَهًا فِي الْبَاطِنِ فَإِنَّهُ حِينَئِذٍ يَصِيرُ رَاضِيًا فَيَنْقَلِبُ الْحَرَامُ حَلَالًا لِقَوْلِهِ تَعَالَى وَلَا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ إِلَّا أَنْ تَكُونَ تِجَارَةً عَنْ تَرَاضٍ مِنْكُمْ وَمَا صَوَّرْنَاهُ تِجَارَةٌ صَادِرَةٌ عَنْ تَرَاضٍ فِي آخِرِ الْأَمْرِ، وَلِهَذَا عَدَّ عُلَمَاؤُنَا الْهِبَةَ بِشَرْطِ الْإِثَابَةِ بَيْعًا وَلَوْ كَانَ عَطَاؤُهُ حَيَاءً لَمْ يَحْصُلْ لَهُ جَزَاءٌ، ثُمَّ طَابَ خَاطِرُهُ فَالظَّاهِرُ أَنَّهُ لَا يُؤَاخَذُ بِهِ؛ لِأَنَّهُ فِي الْمَعْنَى بَرَاءَةٌ وَإِحْلَالٌ لَهُ، ثُمَّ الظَّاهِرُ أَنَّ الْإِثَابَةَ بِقَدْرِ الْهِبَةِ وَاجِبَةٌ، وَأَمَّا الزِّيَادَةُ فَلَا، فَمَحَلُّ الْإِجْمَاعِ عَلَى عَدَمِ جَوَازِ الْقَبُولِ إِذَا لَمْ يُجَازِهِ مُطْلَقًا، ثُمَّ الْعُودُ فِي الْهِبَةِ مَكْرُوهٌ شَرْعًا وَطَبْعًا، وَيَجُوزُ عِنْدَ فُقَهَائِنَا بِشُرُوطٍ لَيْسَ هَذَا مَقَامُ ذِكْرِهَا

(بَابُ مَا جَاءَ فِي حَيَاءِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -)

<<  <  ج: ص:  >  >>