مُعَيَّنًا
بَلْ بِحَسْبِ مَا تَيَسَّرَ لَهُ الْقِيَامُ، وَلَا يُعَارِضُهُ قَوْلُ عَائِشَةَ كَانَ إِذَا سَمِعَ الصَّارِخَ قَامَ، فَإِنَّ عَائِشَةَ تُخْبِرُ عَمَّا لَهَا عَلَيْهِ إِطْلَاعٌ، وَذَلِكَ أَنَّ صَلَاةَ اللَّيْلِ كَانَتْ تَقَعُ مِنْهُ غَالِبًا فِي الْبَيْتِ فَخَبَرُ أَنَسٍ مَحْمُولٌ عَلَى مَا وَرَاءَ ذَلِكَ كَذَا حَقَّقَهُ الْعَسْقَلَانِيُّ فِي كِتَابِ التَّهَجُّدِ مِنْ شَرْحِ الْبُخَارِيِّ، وَقَالَ فِي كِتَابِ الصِّيَامِ يَعْنِي أَنَّ حَالَهُ فِي التَّطَوُّعِ بِقِيَامِ اللَّيْلِ يَخْتَلِفُ، فَكَانَ تَارَةً يَقُومُ مِنْ أَوْقَاتِ اللَّيْلِ، وَتَارَةً فِي وَسَطِهِ، وَتَارَةً مِنْ آخِرِهِ فَكَانَ مَنْ أَرَادَ أَنْ يَرَاهُ فِي وَقْتٍ مِنْ أَوْقَاتِ اللَّيْلِ قَائِمًا، فَوَافَاهُ الْمَرَّةَ بَعْدَ الْمَرَّةِ فَلَا بُدَّ أَنْ يُصَادِفَهُ قَامَ عَلَى وَفْقِ مَا أَرَادَ أَنْ يَرَاهُ هَذَا مَعْنَى الْخَبَرِ وَلَيْسَ الْمُرَادُ أَنَّهُ كَانَ يَسْتَوْعِبُ اللَّيْلَ قَائِمًا، وَلَا يُشْكِلُ عَلَى هَذَا قَوْلُ عَائِشَةَ كَانَ إِذَا صَلَّى صَلَاةَ دَاوَمَ عَلَيْهَا، وَقَوْلُهَا فِي الرِّوَايَةِ الْأُخْرَى كَانَ عَمَلُهُ دِيمَةً ; لِأَنَّ الْمُرَادَ مَا اتَّخَذَهُ وَاجِبًا لَا مُطْلَقَ النَّافِلَةِ، وَهَذَا وَجْهُ الْجَمْعِ بَيْنَ الْحَدِيثَيْنِ، وَإِلَّا فَظَاهَرُهُمَا التَّعَارُضُ انْتَهَى كَلَامُهُ.
فَقَالَ مِيرَكُ: هُوَ لَا يَشْفِي الْعَلِيلَ كَمَا تَرَى قُلْتُ: الْأَظْهَرُ أَنْ يُقَالَ إِعْمَالُ الْعَمَلِ الْمُسَمَّى بِالتَّهَجُّدِ مَثَلًا تَارَةً يُصَلِّي فِي أَوَّلِ الْوَقْتِ وَتَارَةً فِي آخِرِهِ لَا يُنَافِي مُدَاوَمَةَ الْعَمَلِ كَمَا أَنَّ صَلَاةَ الْفَرْضِ تَارَةً يُصَلِّي فِي أَوَّلِ الْوَقْتِ، وَتَارَةً فِي آخِرِهِ لَا يُنَافِي وَهَذَا أَمْرٌ ظَاهِرٌ، وَدَلِيلٌ بَاهِرٌ يُشْفَى بِهِ الْعَلِيلُ وَيَصِحُّ فِيهِ التَّعْلِيلُ وَهُوَ حَسْبِي وَنِعْمَ الْوَكِيلُ.
وَقَالَ الْمُظْهِرُ: لَا فِي لَا تَشَاءُ بِمَعْنَى لَيْسَ أَوْ بِمَعْنَى لَمْ أَيْ لَسْتَ تَشَاءُ أَوْ لَمْ تَكُنْ تَشَاءُ أَيْ لَا مِنْ زَمَانٍ تَشَاءُ، قَالَ الطِّيبِيُّ: فَلَعَلَّ هَذَا التَّرْكِيبَ مِنْ بَابِ الِاسْتِثْنَاءِ عَلَى الْبَدَلِ، وَتَقْدِيرُهُ عَلَى الْإِثْبَاتِ أَنْ يُقَالَ أَنْ تَشَاءَ رُؤْيَتَهُ مُتَهَجِّدًا، وَإِنْ تَشَاءَ رُؤْيَتَهُ نَائِمًا رَأَيْتَهُ نَائِمًا يَعْنِي كَانَ أَمْرُهُ قَصْدًا لَا إِسْرَافَ، وَلَا تَقْصِيرَ يَنَامُ أَوَانَ يَنْبَغِي أَنْ يَنَامَ فِيهِ كَأَوَّلِ اللَّيْلِ، وَيُصَلِّي أَوَانَ يَنْبَغِي أَنْ يُصَلِّيَ فِيهِ كَآخِرِ اللَّيْلِ، وَعَلَى هَذَا حِكَايَةُ الصَّوْمِ وَيَشْهَدُ لَهُ حَدِيثُ ثَلَاثَةِ رَهْطٍ عَلَى مَا رَوَى أَنَسٌ قَالَ أَحَدُهُمْ: أَمَّا أَنَا فَأُصَلِّي اللَّيْلَ أَبَدًا، وَقَالَ آخَرُ: أَصُومُ النَّهَارَ أَبَدًا وَلَا أُفْطِرُ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَمَّا أَنَا فَأُصَلِّي وَأَنَامُ، وَأَصُومُ وَأُفْطِرُ، أَوْ كَمَا قَالَ ثُمَّ قَالَ: فَمَنْ رَغِبَ عَنْ سُنَّتِي فَلَيْسَ مِنِّي ذَكَرَهُ مِيرَكُ وَزَادَ أَنَسٌ عَلَى السُّؤَالِ زِيَادَةَ إِفَادِةِ حَالِ الصَّلَاةِ لِاسْتِيفَاءِ الْأَحْوَالِ وَلِلدِّلَالَةِ عَلَى كَمَالِ اسْتِحْضَارِهِ فِي كُلِّ مِنْوَالٍ.
(حَدَّثَنَا مَحْمُودُ بْنُ غَيْلَانَ حَدَّثَنَا أَبُو دَاوُدَ حَدَّثَنَا) وَفِي نُسْخَةٍ أَخْبَرَنَا (شُعْبَةُ عَنْ أَبِي بِشْرٍ) بِكَسْرِ مُوَحَّدَةٍ، وَسُكُونِ شِينٍ مُعْجَمَةٍ، وَاسْمُهُ جَعْفَرُ بْنُ أَبِي وَحْشِيِّ وَاسْمُهُ
إِيَاسٌ (قَالَ: سَمِعْتُ سَعِيدَ بْنَ جُبَيْرٍ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: كَانَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَصُومُ) أَيْ: مِنْهُ (حَتَّى نَقُولَ) تَقَدَّمَ الْكَلَامُ عَلَيْهِ، وَعِنْدَ مُسْلِمٍ مِنْ طَرِيقِ شُعْبَةَ حَتَّى يَقُولُوا (مَا يُرِيدُ أَنْ يُفْطِرَ مِنْهُ وَيُفْطِرُ) أَيْ: مِنْهُ كَمَا فِي نُسْخَةٍ حَتَّى نَقُولُ مَا يُرِيدُ أَنْ يَصُومَ، وَمَا صَامَ، أَيْ: لَمْ يَصُمْ (شَهْرًا كَامِلًا مُنْذُ قَدِمَ الْمَدِينَةَ إِلَّا رَمَضَانَ) ، وَفِي رِوَايَةِ شُعْبَةَ الْمَذْكُورُ مَا صَامَ شَهْرًا مُتَتَابِعًا، وَفِي رِوَايَةِ أَبِي دَاوُدَ الطَّيَالِسِيِّ عَنْ شُعْبَةَ شَهْرًا تَامًّا مُنْذُ قَدِمَ الْمَدِينَةَ غَيْرَ رَمَضَانَ.
وَلِمُسْلِمٍ مِنْ طَرِيقِ عُثْمَانَ بْنِ حَكِيمٍ قَالَ: سَأَلْتُ سَعِيدَ بْنَ جُبَيْرٍ عَنْ صِيَامِ رَجَبٍ، فَقَالَ: سَمِعْتُ ابْنَ عَبَّاسٍ يَقُولُ مَا صَامَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - شَهْرًا كَامِلًا مُنْذُ قَدِمَ الْمَدِينَةَ إِلَّا رَمَضَانَ.
(حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارٍ حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ مَهْدِيٍّ عَنْ سُفْيَانَ عَنْ مَنْصُورٍ عَنْ سَالِمِ بْنِ أَبِي الْجَعْدِ عَنْ أَبِي سَلَمَةَ) أَيِ: ابْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ أَحَدُ الْعَشَرَةِ الْمُبَشَّرَةِ (عَنْ أُمِّ سَلَمَةَ قَالَتْ: مَا رَأَيْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَصُومُ شَهْرَيْنِ مُتَتَابِعَيْنِ إِلَّا شَعْبَانَ وَرَمَضَانَ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute