للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ذَكَرَهُ مِيرَكْ شَاهْ (وَإِزَارًا غَلِيظًا) أَيْ خَشِنًا (فَقَالَتْ) أَيْ دَفْعًا لِتَوَهُّمِ أَنَّ هَذَا اللُّبْسَ كَانَ فِي أَوَّلِ أَمْرِهِ قَبْلَ أَنْ

يُوَسِّعَ اللَّهُ عَلَيْهِ بِفَتْحِهِ وَنَصْرِهِ (قُبِضَ) بِصِيغَةِ الْمَجْهُولِ وَالْقَابِضُ مَعْلُومٌ أَيْ أُخِذَ (رُوحُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي هَذَيْنِ) أَيْ تَوَاضُعًا وَانْكِسَارًا وَعُبُودِيَّةً وَافْتِقَارًا، وَإِجَابَةً لِدُعَائِهِ مِرَارًا اللَّهُمَّ أَحْيِنِي مِسْكِينًا، وَأَمِتْنِي مِسْكِينًا، وَهَذَا الْحَدِيثُ أَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ أَيْضًا، وَفِي رِوَايَةٍ «إِزَارًا غَلِيظًا» ، مِمَّا يُصْنَعُ بِالْيَمَنِ، وَكِسَاءً مِنْ هَذِهِ الَّتِي تَدْعُونَهُ الْمُلَبَّدَةَ، وَهَذِهِ الرِّوَايَةُ تُفِيدُ مَعْنًى ثَالِثًا لِـ «مُلَبَّدًا» ، وَهُوَ أَنَّهُ صِفَةٌ كَاشِفَةٌ لِكِسَاءٍ، وَأَنَّ التَّلْبِيدَ فِي أَصْلِ النَّسْجِ دُونَ التَّرْقِيعِ، مَعَ أَنَّهُ لَا مَنْعَ مِنَ الْجَمْعِ، قَالَ النَّوَوِيُّ: هَذَا الْحَدِيثُ وَأَمْثَالُهُ يُبَيِّنُ مَا كَانَ عَلَيْهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنَ الزَّهَادَةِ فِي الدُّنْيَا وَلَذَّاتِهَا، وَالْإِعْرَاضِ عَنْ أَعْرَاضِهَا وَشَهَوَاتِهَا، حَيْثُ اخْتَارَ لُبْسَهُمَا، وَاجْتَزَأَ بِمَا يَحْصُلُ مِنْهُ أَدْنَى الْكِفَايَةِ بِهِمَا، انْتَهَى.

وَفِيهِ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ الْفَقِيرَ الصَّابِرَ أَفْضَلُ مِنَ الْغَنِيِّ الشَّاكِرِ، وَيَرُدُّ عَلَى مَنْ قَالَ أَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ صَارَ غَنِيًّا فِي آخِرِ عُمْرِهِ، وَنِهَايَةِ أَمْرِهِ، نَعَمْ. ظَهَرَ لَهُ الْمُلْكُ وَالْغِنَى، وَلَكِنِ اخْتَارَ الْفَقْرَ وَالْفَنَاءَ ; لِيَكُونَ مُتَّبِعًا لِجُمْهُورِ الْأَنْبِيَاءِ، وَمُتَّبِعًا لِخُلَاصَةِ الْأَوْلِيَاءِ وَالْأَصْفِيَاءِ.

(حَدَّثَنَا مَحْمُودُ بْنُ غَيْلَانَ، حَدَّثَنَا أَبُو دَاوُدَ عَنْ شُعْبَةَ عَنِ الْأَشْعَثِ بْنِ سُلَيْمٍ) بِالتَّصْغِيرِ (قَالَ: سَمِعْتُ عَمَّتِي) اسْمُهَا رُهْمٌ بِضَمِّ الرَّاءِ، وَسُكُونِ الْهَاءِ بِنْتُ الْأَسْوَدِ بْنِ خَالِدٍ، كَذَا فِي التَّقْرِيبِ، وَقِيلَ: بِنْتُ الْأَسْوَدِ بْنِ حَنْظَلَةَ (تُحَدِّثُ عَنْ عَمِّهَا) أَيْ عَمِّ عَمَّةِ أَشْعَثَ بْنِ سُلَيْمٍ، اسْمُهُ عُبَيْدُ بْنُ خَالِدٍ الْمُحَارِبِيُّ، سَكَنَ الْكُوفَةَ، وَأَمَّا مَا قَالَ الْعِصَامُ أَنَّ الْأَصَحَّ مَا فِي بَعْضِ النُّسَخِ عَنْ عَمِّ أَبِيهَا، أَيْ عَمِّ ابْنِ حَنْظَلَةَ، فَغَيْرُ صَحِيحٍ مَعَ أَنَّهُ لَيْسَ مَوْجُودًا فِي أَصْلِنَا، وَلَا فِي النُّسَخِ الْحَاضِرَةِ أَصْلًا، نَعَمْ.

ذَكَرَ مِيرَكْ شَاهْ أَنَّهُ وَقَعَ فِي كِتَابِ تَهْذِيبِ الْكَمَالِ عَنْ عَمِّ أَبِيهِ وَحِينَئِذٍ يَرْجِعُ الضَّمِيرُ الْمَجْرُورُ إِلَى الْأَشْعَثِ، وَلَا يَخْفَى أَنَّ عَمَّ عَمَّةِ الشَّخْصِ هُوَ عَمُّ أَبِيهِ (قَالَ بَيْنَمَا أَنَا أَمْشِي) أَتَى بِصِيغَةِ الْمُضَارِعِ اسْتِحْضَارًا لِلْحَالِ الْمَاضِيَةِ (بِالْمَدِينَةِ) أَيْ فِي الْمَدِينَةِ كَمَا فِي بَعْضِ النُّسَخِ، وَفِي نُسْخَةٍ: بَيْنَا بِحَذْفِ الْمِيمِ، وَأَصْلُهُ بَيْنَ وَهُوَ الْوَسَطُ، وَقَدْ تُشْبَعُ فَتْحَتُهَا فَتَتَوَلَّدُ أَلِفًا، وَقَدْ تُزَادُ فِيهَا مِيمٌ، وَهُمَا مُضَافَانِ إِلَى مَا بَعْدَهُمَا، وَقِيلَ: مَا وَالْأَلِفُ عِوَضَانِ عَنِ الْمُضَافِ إِلَيْهِ الْمَحْذُوفِ وَفِي الْمُغْرِبِ

بَيْنَ مِنَ الظُّرُوفِ اللَّازِمَةِ، وَلَا يُضَافُ إِلَّا إِلَى الِاثْنَيْنِ فَصَاعِدًا، أَوْ مَا قَامَ مَقَامَهُ كَقَوْلِهِ تَعَالَى: عَوَانٌ بَيْنَ ذَلِكَ وَقَدْ يُحْذَفُ الْمُضَافُ إِلَيْهِ، وَيُعَوَّضُ عَنْهُ مَا أَوِ الْأَلِفُ، وَفِي النِّهَايَةِ هُمَا ظَرْفَا زَمَانٍ بِمَعْنَى الْمُفَاجَأَةِ، وَيُضَافَانِ إِلَى الْجُمْلَةِ مِنْ فِعْلٍ وَفَاعِلٍ أَوْ مُبْتَدَأٍ وَخَبَرٍ، وَيَحْتَاجَانِ إِلَى جَوَابٍ يَتِمُّ بِهِ الْمَعْنَى، وَالْأَفْصَحُ فِي جَوَابِهِمَا أَنْ لَا يَكُونَ فِيهِ إِذْ، وَإِذَا. وَقَدْ جَلَا فِي الْجَوَابِ كَثِيرًا، يُقَالُ: بَيْنَا زَيْدٌ جَالِسٌ دَخَلَ عَلَيْهِ عَمْرٌو، وَإِذْ دَخَلَ عَلَيْهِ وَإِذَا دَخَلَ عَلَيْهِ (إِذَا) بِالْأَلِفِ لِلْمُفَاجَأَةِ (إِنْسَانٌ خَلْفِي) قَالَ

<<  <  ج: ص:  >  >>