مِنْ غَيْرِ حَوْلٍ مِنِّي وَلَا قُوَّةٍ. (أَسْأَلُكَ خَيْرَهُ) : أَيْ أَنْ تُوصِلَ إِلَيَّ خَيْرَهُ. (وَخَيْرَ مَا صُنِعَ) : أَيْ خُلِقَ. (لَهُ) : مِنَ الشُّكْرِ بِالْجَوَارِحِ وَالْقَلْبِ وَالْحَمْدِ لِمُوَلِّيهِ بِاللِّسَانِ. (وَأَعُوذُ بِكَ) : عَطْفٌ عَلَى أَسْأَلُكَ، أَيْ أَسْتَعِيذُ بِكَ مِنْ شَرِّهِ. (وَشَرِّ مَا صُنِعَ لَهُ) : مِنَ الطُّغْيَانِ وَالْكُفْرَانِ، انْتَهَى كَلَامُ الطِّيبِيِّ. وَيُحْتَمَلُ أَنْ تَكُونَ «مَا» مَصْدَرِيَّةٌ، وَالْكَافُ بِمَعْنَى «عَلَى» أَوْ لِلتَّعْلِيلِ أَوْ لِلتَّشْبِيهِ، أَيِ الْحَمْدُ عَلَى قَدْرِ إِنْعَامِهِ الْكِسْوَةَ وَبِطَبَقِهِ وَإِزَائِهِ، وَإِمَّا لِلْمُبَادَرَةِ كَمَا فِي قَوْلِ الْقَائِلِ أَسْلِمْ كَمَا تَدْخُلُ الْجَنَّةَ، وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ «كَمَا» بِمَعْنَى «إِذَا» كَمَا نُقِلَ عَنِ الْغَزَالِيِّ، وَيُحْتَمَلُ تَعَلُّقُ قَوْلِهِ «كَمَا» بِقَوْلِهِ «أَسْأَلُكَ» ، وَالْمَعْنَى: أَسْأَلُكَ مَا يَتَرَتَّبُ عَلَى خَلْقِهِ
مِنَ الْعِبَادَةِ بِهِ، وَصَرْفِهِ فِيمَا فِيهِ رِضَاكَ، وَأَعُوذُ بِكَ مِنْ شَرِّ مَا يَتَرَتَّبُ عَلَيْهِ مِمَّا لَا تَرْضَى بِهِ مِنَ الْكِبْرِ وَالْخُيَلَاءِ وَكَوْنِي أُعَاقَبُ بِهِ لِحُرْمَتِهِ. وَقَالَ مِيرَكُ: خَيْرُ الثَّوْبِ بَقَاؤُهُ وَنَقَاؤُهُ وَكَوْنُهُ مَلْبُوسًا لِلضَّرُورَةِ وَالْحَاجَةِ لَا لِلْفَخْرِ وَالْخُيَلَاءِ، وَخَيْرُ مَا صُنِعَ لَهُ وَهُوَ الضَّرُورَاتُ الَّتِي مِنْ أَجْلِهَا يُصْنَعُ اللِّبَاسُ مِنَ الْحَرِّ وَالْبَرْدِ وَسَتْرِ الْعَوْرَةِ، وَالْمُرَادُ سُؤَالُ الْخَيْرِ فِي هَذِهِ الْأُمُورِ، وَأَنْ يَكُونَ مُبَلِّغًا إِلَى الْمَطْلُوبِ الَّذِي صُنِعَ لِأَجْلِهِ الثَّوْبُ مِنَ الْعَوْنِ عَلَى الْعِبَادَةِ وَالطَّاعَةِ لِمُوَلِّيهِ، وَفِي الشَّرِّ عَكْسُ الْمَذْكُورَاتِ وَهُوَ كَوْنُهُ حَرَامًا وَبَخْسًا، أَوْ لَمْ يَبْقَ زَمَانًا طَوِيلًا، أَوْ يَكُونُ سَبَبًا لِلْمَعَاصِي وَالشُّرُورِ. هَذَا وَقَدْ وَرَدَ فِيمَا يَدْعُو بِهِ مَنْ لَبِسَ ثَوْبًا جَدِيدًا أَحَادِيثُ أُخَرُ مِنْهَا مَا أَخْرَجَهُ ابْنُ مَاجَهْ وَالْحَاكِمُ وَصَحَّحَهُ وَالْمُؤَلِّفُ فِي جَامِعِهِ وَحَسَّنَهُ مِنْ حَدِيثِ عُمَرَ مَرْفُوعًا: «مَنْ لَبِسَ ثَوْبًا جَدِيدًا فَقَالَ الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي كَسَانِي مَا أُوَارِي بِهِ عَوْرَتِي وَأَتَجَمَّلُ بِهِ فِي حَيَاتِي، ثُمَّ عَمَدَ إِلَى الثَّوْبِ الَّذِي أَخْلَقَ فَتَصَدَّقَ بِهِ كَانَ فِي حِفْظِ اللَّهِ وَفِي كَنَفِ اللَّهِ وَفِي سِتْرِ اللَّهِ حَيًّا وَمَيِّتًا» .
وَمِنْهَا مَا أَخْرَجَهُ الْإِمَامُ أَحْمَدُ، وَالْمُؤَلِّفُ فِي جَامِعِهِ وَحَسَّنَهُ، وَأَبُو دَاوُدَ وَالْحَاكِمُ وَصَحَّحَهُ، وَابْنُ مَاجَهْ مِنْ حَدِيثِ مُعَاذِ بْنِ أَنَسٍ مَرْفُوعًا: «مَنْ لَبِسَ ثَوْبًا فَقَالَ الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي كَسَانِي هَذَا وَرَزَقَنِيهِ مِنْ غَيْرِ حَوْلٍ مِنِّي وَلَا قُوَّةٍ غَفَرَ اللَّهُ لَهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِهِ» زَادَ أَبُو دَاوُدَ فِي رِوَايَتِهِ «وَمَا تَأَخَّرَ» .
وَمِنْهَا مَا أَخْرَجَهُ الْحَاكِمُ فِي الْمُسْتَدْرَكِ مِنْ حَدِيثِ عَائِشَةَ قَالَتْ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «مَا اشْتَرَى عَبْدٌ ثَوْبًا بِدِينَارٍ أَوْ نِصْفِ دِينَارٍ فَحَمِدَ اللَّهَ عَلَيْهِ إِلَّا لَمْ يَبْلُغْ رُكْبَتَيْهِ حَتَّى يَغْفِرَ اللَّهُ لَهُ» ، قَالَ الْحَاكِمُ هَذَا حَدِيثٌ لَا أَعْلَمُ فِي إِسْنَادِهِ أَحَدًا ذُكِرَ بِجَرْحٍ، وَاللَّهُ أَعْلَمُ.
(حَدَّثَنَا هِشَامُ بْنُ يُونُسَ الْكُوفِيُّ، أَخْبَرَنَا) : وَفِي نُسْخَةٍ «حَدَّثَنَا» . (الْقَاسِمُ بْنُ مَالِكٍ الْمُزَنِيُّ) : بِضَمِّ مِيمٍ فَفَتْحِ زَايٍ، مَنْسُوبٌ إِلَى قَبِيلَةِ مُزَيْنَةَ، أَخْرَجَ حَدِيثَهُ الْجَمَاعَةُ إِلَّا أَبَا دَاوُدَ. (عَنِ الْجُرَيْرِيِّ) : مَرَّ ذِكْرُهُ قَرِيبًا. (عَنْ أَبِي نَضْرَةَ، عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نَحْوَهُ) : أَيْ فِي الْمَعْنَى، وَلَوْ قَالَ (مِثْلَهُ) يُرَادُ فِي اللَّفْظِ.
(حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارٍ، أَخْبَرَنَا مُعَاذُ بْنُ هِشَامٍ، حَدَّثَنِي أَبِي، عَنْ قَتَادَةَ، عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ قَالَ: كَانَ أَحَبُّ الثِّيَابِ) : بِالرَّفْعِ وَالنَّصْبِ. (إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَلْبَسُهُ) : وَفِي نُسْخَةٍ صَحِيحَةٍ «يَلْبَسُهَا» بِضَمِيرِ التَّأْنِيثِ، وَالْجُمْلَةُ صِفَةٌ لِأَحَبَّ أَوِ الثِّيَابِ وَخَرَجَ بِهِ مَا يُفْرَشُ وَنَحْوُهُ وَالضَّمِيرُ الْمَنْصُوبُ لِلثِّيَابِ أَوْ لِأَحَبَّ وَالتَّأْنِيثُ بِاعْتِبَارِ الْمُضَافِ. (الْحِبَرَةَ) : وَهِيَ بِكَسْرِ الْحَاءِ الْمُهْمَلَةِ وَفَتْحِ الْمُوَحَّدَةِ عَلَى مِثَالِ الْعِنَبَةِ، قَالَ مِيرَكُ: الرِّوَايَةُ عَلَى مَا صَحَّحَهُ الْجَزَرِيُّ فِي تَصْحِيحِ الْمَصَابِيحِ رَفْعُ «الْحِبَرَةِ» عَلَى أَنَّهَا اسْمُ كَانَ وَ «أَحَبَّ» خَبَرُهُ، وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute