اعْلَمْ أَنَّهُ وَقَعَ فِي أَصْلِ سَمَاعِنَا هَذَا الْبَابَ الصَّغِيرَ فِي عَيْشِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَسَيَأْتِي فِي أَوَاخِرِ الْكِتَابِ بَعْدَ بَابِ أَسْمَاءِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَابٌ طَوِيلٌ فِي بَيَانِ عَيْشِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَفِيهِ أَحَادِيثُ كَثِيرَةٌ، وَوَقَعَ فِي بَعْضِ النُّسَخِ هَاهُنَا ذَاكَ الْبَابُ الطَّوِيلُ فِي عَيْشِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَفِيهِ أَحَادِيثُ كَثِيرَةٌ، وَلَيْسَ فِي أُصُولِ مَشَايِخِنَا، وَعَلَى التَّقْدِيرَيْنِ إِيرَادُ بَابِ الْعَيْشِ بَيْنَ بَابِ اللِّبَاسِ وَبَابِ الْخُفِّ غَيْرُ مُلَائِمٍ، وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ مِنْ صَنِيعِ نَسْخِ الْكِتَابِ، وَاللَّهُ أَعْلَمُ، كَتَبَهُ الْفَقِيرُ جَمَالُ الدِّينِ الْمُحَدِّثُ الْحُسَيْنِيُّ عَفَا اللَّهُ عَنْهُ، كَذَا وَجَدَتْهُ بِخَطِّ مِيرَكَ شَاهْ عَلَى هَامِشِ نُسْخَةٍ فَقَالَ الْحَنَفِيُّ: وَقَعَ فِي بَعْضِ النُّسَخِ الطَّوِيلُ بَعْدَ الْقَصِيرِ، وَيَتَّجِهُ عَلَى كِلْتَا النُّسْخَتَيْنِ أَنَّ جَعْلَهُمَا بَابَيْنِ غَيْرُ ظَاهِرٍ. وَقَالَ ابْنُ حَجَرٍ: يَأْتِي هَذَا الْبَابُ فِي أَوَاخِرِ الْكِتَابِ بِزِيَادَاتٍ أُخَرَ. وَسَيَأْتِي بَيَانُ حِكْمَةِ ذَلِكَ مَعَ الرَّدِّ عَلَى مَنْ أَبْدَى لِذَلِكَ مَا لَا يُجْدِي، وَقَالَ: هُنَاكَ ذَكَرَ الْمُصَنِّفُ هَذَا الْبَابَ فِيمَا مَرَّ عَلَى مَا فِي كَثِيرٍ مِنَ النُّسَخِ، ثُمَّ أَعَادَهُ هَاهُنَا بِزِيَادَاتٍ أُخَرَ أَخْرَجَتْهُ عَنِ التَّكْرَارِ الْمَحْضِ، ثُمَّ أَطَالَ بِكَلَامٍ خَارِجٍ عَنِ الْمَرَامِ مَعَ التَّنْجِيحِ الزَّائِدِ فِي كُلِّ مَقَامٍ، وَالظَّاهِرُ فِي الْجَوَابِ، وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِالصَّوَابِ، أَنَّ الْمُرَادَ بِأَحَادِيثِ هَذَا الْبَابِ مَا يَدُلُّ عَلَى ضِيقِ عَيْشِ بَعْضِ الْأَصْحَابِ مَعَ ضِيقِ عَيْشِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي كُلِّ بَابٍ، وَأَحَادِيثُ ذَاكَ الْبَابِ دَالَّةٌ عَلَى مَا جَاءَ فِي ضِيقِ عَيْشِهِ الْمَخْصُوصِ بِهِ وَبِأَهْلِ بَيْتِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، أَوْ هَذَا الْبَابُ مِمَّا يَدُلُّ عَلَى ضِيقِ عَيْشِهِ فِي أَوَّلِ أَمْرِهِ، وَذَاكَ مِمَّا يَدُلُّ عَلَى آخِرِ أَمْرِهِ إِشَارَةً إِلَى اسْتِوَاءِ حَالَيْهِ فِي اخْتِيَارِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَوِ اخْتِيَارِهِ تَعَالَى لَهُ الطَّرِيقَ الْمُخْتَارَ مِنَ الْفَقْرِ وَالصَّبْرِ وَالشُّكْرِ وَالرِّضَا فِي الدَّارِ الْغَدَّارِ ; إِذْ لَا عَيْشَ إِلَّا عَيْشُ الْآخِرَةِ وَهِيَ دَارُ الْقَرَارِ، وَحَاصِلُ الْكَلَامِ أَنَّ الْمَقْصُودَ مِنَ الْبَابَيْنِ مُخْتَلِفٌ فَلَا تَكْرَارَ فِي الْمَعْنَى، فَلَا يُنْظَرُ إِلَى الْمَبْنَى ثُمَّ لَمَّا كَانَ الْحَدِيثُ الْأَوَّلُ مِنْ هَذَا الْبَابِ مُشْتَمِلًا عَلَى تَوَسُّعِ بَعْضِ الْأَصْحَابِ فِي آخِرِ الْأَمْرِ حَتَّى لَبِسَ مِثْلُ أَبِي هُرَيْرَةَ ثَوْبَيْنِ مُمَشَّقَيْنِ مِنَ الْكَتَّانِ نَاسَبَ أَنْ يَكُونَ ذِكْرُهُ بَعْدَ بَابِ اللِّبَاسِ مُقَدَّمًا عَلَى بَابِ الْخُفِّ، هَذَا وَالْعَيْشُ: الْحَيَاةُ، وَمَا يَكُونُ بِهِ الْحَيَاةُ مِثْلُ الْمَعِيشَةِ وَفِي الْمَثَلِ: عَيْشٌ مَرَّةً وَجَيْشٌ مَرَّةً ; مَثَلٌ فِي الرَّخَاءِ وَالشِّدَّةِ، كَذَا فِي تَاجِ الْأَسَامِي.
(حَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ، حَدَّثَنَا حَمَّادُ بْنُ زَيْدٍ، عَنْ أَيُّوبَ) : أَيِ السِّخْتِيَانَيُّ، نِسْبَةً إِلَى بَيْعِ السِّخْتِيَانِ أَيِ الْجُلُودِ أَوْ عَمَلِهَا. (عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ سِيرِينَ) : بِكَسْرِ السِّينِ بَعْدَهَا يَاءٌ سَاكِنَةٌ وَبِفَتْحِ النُّونِ عَلَى ضَبْطٍ فِي النُّسَخِ الْمُصَحَّحَةِ، قَالَ الْعِصَامُ: الظَّاهِرُ أَنَّ سِيرِينَ كَغِسْلِينَ، وَأَنَّهُ مُصَرَّفٌ لِأَنَّهُ لَيْسَ فِيهِ إِلَّا الْعَلَمِيَّةُ لَكِنْ قُيِّدَ فِي بَعْضِ الْأُصُولِ بِالْفَتْحَةِ، وَوَجْهُهُ غَيْرُ ظَاهِرٍ إِذِ الْعُجْمَةُ فِيهِ غَيْرُ ظَاهِرَةٍ ; لِأَنَّهُ مِنْ بِلَادِ الْعَرَبِ، قُلْتُ بِوَجْهٍ بِمَا قَالَ الْجَعْبَرِيُّ
نَقْلًا عَنْ بَعْضِ النُّحَاةِ أَنَّ مُطْلِقَ الْمَزِيدَتَيْنِ كَغَلْبُونَ وَنَحْوِهِ عِلَّةٌ لِمَنْعِ الصَّرْفِ مَعَ أَنَّهُ مِنَ الْمَوَالِي لَا مِنَ الْعَرَبِ، فَلَا بِدَعَ أَنْ يَكُونَ فِيهِ الْعُجْمَةُ مَعَ احْتِمَالِ أَنَّ سِيرِينَ أُمُّهُ فَيَكُونُ فِيهِ عِلَّتَانِ التَّأْنِيثُ وَالْعِلْمِيَّةُ، وَاللَّهُ سُبْحَانَهُ أَعْلَمُ. ثُمَّ هُوَ تَابِعِيٌّ جَلِيلٌ، مَشْهُورٌ، إِمَامٌ فِي عِلْمِ التَّعْبِيرِ وَغَيْرِهِ، أَخْرَجَ حَدِيثَهُ الْأَئِمَّةُ السِّتَّةُ، وَهُوَ مِنْ مَوَالِي أَنَسٍ كَاتَبَهُ عَلَى عِشْرِينَ أَلْفًا فَأَدَّاهَا وَعُتِقَ، وَكَانَ لَهُ أَوْلَادٌ سِتَّةٌ كُلُّهُمْ نُجَبَاءُ مُحَدِّثُونَ وَهُمْ: مُحَمَّدٌ وَمَعْبَدٌ وَأُنَيْسٌ وَيَحْيَى وَحَفْصَةُ وَكَرِيمَةُ، وَمِنْ نَوَادِرِ الْأَسَانِيدِ: رَوَى مُحَمَّدُ، عَنْ يَحْيَى، عَنْ أُنَيْسٍ، حَيْثُ وَقَعَ فِي الْإِسْنَادِ ثَلَاثَةُ أُخُوَّةٍ. (قَالَ: كُنَّا عِنْدَ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ وَعَلَيْهِ ثَوْبَانِ) : أَيْ إِزَارٌ وَرِدَاءٌ أَوْ ثَوْبَانِ آخَرَانِ. (مُمَشَّقَانِ) : بِفَتْحِ الشِّينِ الْمُعْجَمَةِ الْمُثَقَّلَةِ، أَيْ مَصْبُوغَانِ بِالْمِشْقِ بِكَسْرٍ فَسُكُونٍ، وَهُوَ الطِّينُ الْأَحْمَرُ، قَالَهُ الْعَسْقَلَانِيُّ، وَقِيلَ هُوَ الْمِغْرَةُ بِكَسْرِ الْمِيمِ، قِيلَ فِيهِ مُخَالَفَةٌ لِحَدِيثِ النَّهْيِ عَنْ لُبْسِ الثَّوْبِ الْأَحْمَرِ. قَالَ ابْنُ حَجَرٍ: وَمَرَّ مَا يَدْفَعُ ذَلِكَ، وَأَنَّ النَّهْيَ لِلتَّنْزِيهِ لَا لِلتَّحْرِيمِ فَلَا إِشْكَالَ، انْتَهَى. وَالْأَظْهَرُ أَنْ يُقَالَ: إِنَّ النَّهْيَ عَنِ الْحُمْرَةِ مُعَلَّلٌ بِأَنَّهُ مِنْ زِينَةِ الشَّيْطَانِ، وَالْمَصْبُوغُ بِالطِّينِ الْأَحْمَرِ لَيْسَ لَهُ ذَلِكَ الشَّأْنُ. (مِنْ كَتَّانٍ) : بِتَشْدِيدِ الْفَوْقِيَّةِ، بَيَانٌ لَثَوْبَانِ، وَالْجُمْلَةُ حَالٌ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ. (فَتَمَخَّطَ) : أَيِ اسْتَنْثَرَ وَطَهَّرَ أَنْفَهُ. (فِي أَحَدِهِمَا) : وَمِنْهُ الْمُخَاطُ مَا يَسِيلُ مِنَ الْأَنْفِ. (فَقَالَ) : أَيْ أَبُو هُرَيْرَةَ. (بَخْ بَخْ) : بِفَتْحِ الْمُوَحَّدَةِ وَسُكُونِ الْمُعْجَمَةِ، وَفِي نُسْخَةٍ بِكَسْرِهَا مُنَوَّنَةً، وَفِي نُسْخَةٍ بِتَشْدِيدِهَا مُنَوَّنَةً، فِي النِّهَايَةِ: هِيَ كَلِمَةٌ تُقَالُ عِنْدَ الْفَرَحِ وَالرِّضَاءِ بِالشَّيْءِ وَتُكَرَّرُ لِلْمُبَالَغَةِ،
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute