للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

لِيَنْعَلْهُمَا لِلْقَدَمَيْنِ أَيْضًا.

وَأَمَّا قَوْلُهُ: «لِيَخْلَعْهُمَا» عَلَى مَا فِي بَعْضِ نُسَخِ الشَّمَائِلِ وَرِوَايَةٍ لِمُسْلِمٍ. وَالْمُوَطَّأُ يُؤَيِّدُ الْفَتْحَ، نَعَمْ، الْأَظْهَرُ فِي رِوَايَةِ مُسْلِمٍ أَنَّ الضَّمِيرَ لِلنَّعْلَيْنِ، وَفِي رِوَايَةِ الْمَتْنِ الْمُطَابِقَةِ لِمَا فِي رِوَايَةِ الْبُخَارِيِّ، أَنَّ الضَّمِيرَ لِلْقَدَمَيْنِ، وَكِلْتَا الرِّوَايَتَيْنِ صَحِيحَةٌ.

وَأَمَّا قَوْلُ ابْنِ حَجَرٍ تَبَعًا لِلْعِصَامِ، وَرِوَايَةُ: فَلْيَخْلَعْهُمَا لَا تُعَيِّنُ الضَّمِيرَ لِلنَّعْلَيْنِ لِاحْتِمَالِ أَنَّ فِيهِ حَذْفًا، أَيْ لِيَخْلَعَ نَعْلَيْهِمَا فَلَا يَخْفَى أَنَّهُ احْتِمَالٌ بَعِيدٌ، قَالَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ قَوْلُهُ: لِيَنْعَلْهُمَا أَرَادَ الْقَدَمَيْنِ، وَإِنْ لَمْ يَجْرِ لَهُمَا ذِكْرٌ، وَهَذَا مَشْهُورٌ فِي لُغَةِ الْعَرَبِ، وَجَاءَ فِي الْقُرْآنِ لِدَلَالَةِ السِّيَاقِ عَلَيْهِ انْتَهَى. وَكَأَنَّهُ أَرَادَ قَوْلَهُ تَعَالَى: حَتَّى تَوَارَتْ بِالْحِجَابِ وَقَوْلَهُ سُبْحَانَهُ: وَلَوْ يُؤَاخِذُ اللَّهُ النَّاسَ بِظُلْمِهِمْ مَا تَرَكَ عَلَيْهَا مِنْ دَابَّةٍ ثُمَّ كَلِمَةُ أَوْ لِلتَّخْيِيرِ وَقَوْلُهُ: (جَمِيعًا) مُؤَكِّدٌ لِضَمِيرِ التَّثْنِيَةِ فِي الْمَوْضِعَيْنِ بِمَعْنَى مَعًا، وَقَوْلُهُ: لِيُحْفِهِمَا ضُبِطَ فِي أَصْلِنَا بِضَمِّ الْيَاءِ وَكَسْرِ الْفَاءِ، مِنَ الْإِحْفَاءِ وَهُوَ الْإِعْرَاءُ عَنِ النَّعْلِ وَالْخُفِّ، وَقَالَ الْحَنَفِيُّ: وَرُوِيَ بِفَتْحِهِمَا مِنْ حَفِيَ يَحْفَى مِنْ بَابِ عَلِمَ، وَالْأَوَّلُ أَظْهَرُ مَعْنًى ; لِأَنَّ يَحْفَى لَيْسَ بِمُتَعَدٍّ انْتَهَى. وَتَكَلَّفَ ابْنُ حَجَرٍ لَهُ، وَقَالَ: إِنَّهُ مِنَ الْحَفَاءِ وَهُوَ الْمَشْيُ بِلَا خُفٍّ وَنَعْلٍ، وَالتَّعْدِيَةُ حِينَئِذٍ مَجَازِيَّةٌ وَالْأَصْلُ لِيَحُفَّ بِهِمَا، فَحَذَفَ الْجَارَّ اخْتِصَارًا انْتَهَى. يُرِيدُ أَنَّهُ مِنْ بَابِ الْحَذْفِ وَالْإِيصَالِ، لَكِنْ لَا يَظْهَرُ لَهُ مَعْنًى حَالَ الِانْفِصَالِ وَالِاتِّصَالِ، ثُمَّ قَالَ: أَوْ يُضَمِّنُ الْمُجَرَّدَ مَعْنَى الْمُتَعَدِّي بِلَا حَذْفٍ انْتَهَى. وَهُوَ أَبْعَدُ مِنَ الْأَوَّلِ فِي ظُهُورِ الْحَالِ وَالْمَآلِ، ثُمَّ قِيلَ: إِنَّ هَذَا أَمْرُ إِرْشَادٍ ; لِأَنَّ الْمَشْيَ فِي نَعْلٍ وَاحِدٍ لَا يَأْمَنُ الْعِثَارَ، وَأَيْضًا يُوجِبُ الِاسْتِهْزَاءَ بِهِ، وَلَا يُنَافِي كَرَاهَةُ الْمَشْيِ فِي نَعْلٍ وَاحِدَةٍ فِعْلَ جَمْعٍ مِنَ الصَّحَابَةِ لَهُ لِاحْتِمَالِ أَنَّهُ لِعُذْرٍ، أَوْ لِكَوْنِ النَّهْيِ مَا بَلَغَهُمْ إِنْ ثَبَتَ تَأَخُّرُ فِعْلِهِمْ عَنْ قَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ ابْنُ حَجَرٍ: وَقَوْلُ ابْنِ سِيرِينَ لَا بَأْسَ بِهِ، يَرُدُّهُ صَرِيحُ السُّنَّةِ انْتَهَى. وَفِيهِ بَحْثٌ ; لِأَنَّهُ إِذَا كَانَ الْأَمْرُ لِلْإِرْشَادِ أَوْ لِلنَّدْبِ فَلَا بَأْسَ بِقَوْلِهِ لَا بَأْسَ لِأَنَّهُ يُسْتَعْمَلُ فِي خِلَافِ الْأَوْلَى، وَفِي كَرَاهَةِ التَّنْزِيهِ أَيْضًا، وَذُكِرَ فِي شَرْحِ

السُّنَّةِ أَنَّهُ قَدْ وَرَدَ فِي الرُّخْصَةِ بِالْمَشْيِ فِي نَعْلٍ وَاحِدَةٍ أَحَادِيثٌ، وَرُوِيَ عَنْ عَلِيٍّ وَابْنِ عُمَرَ، وَكَانَ ابْنُ سِيرِينَ لَا يَرَى بِهَا بَأْسًا انْتَهَى. وَكَفَى بِفِعْلِ عَلِيٍّ وَابْنِ عُمَرَ جَوَازًا، وَابْنُ سِيرِينَ مِنَ الْمُجْتَهِدِينَ فَلَا يَلِيقُ الطَّعْنُ بِهِ، وَأَلْحَقَ بَعْضُهُمْ بِذَلِكَ إِخْرَاجَ إِحْدَى الْيَدَيْنِ مِنَ الْكُمِّ، وَإِلْقَاءَ الرِّدَاءِ عَلَى إِحْدَى الْمَنْكِبَيْنِ، وَلُبْسَ نَعْلٍ فِي رِجْلٍ وَاحِدٍ، وَخُفٍّ فِي أُخْرَى، ذَكَرَهُ فِي شَرْحِ السُّنَّةِ وَتَعَقَّبَهُ ابْنُ حَجَرٍ بِمَا لَا يُجْدِي، وَأَمَّا مَا أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ مِنْ طَرِيقِ أَبِي رُزَيْنٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، إِذَا انْقَطَعَ شِسْعُ أَحَدِكُمْ أَوْ شِرَاكُهُ فَلَا يَمْشِ فِي أَحَدَيْهِمَا، بِنَعْلٍ وَالْأُخْرَى حَافِيَةٌ، لِيُحْفِهِمَا جَمِيعًا، فَقَدْ قَالَ مِيرَكُ: هَذَا لَا مَفْهُومَ لَهُ حَتَّى يَدُلَّ عَلَى الْإِذْنِ فِي غَيْرِ هَذِهِ الصُّورَةِ، وَإِنَّمَا خَرَجَ مَخْرَجَ الْغَالِبِ، وَيُمْكِنُ أَنْ يَكُونَ مِنْ مَفْهُومِ الْمُوَافَقَةِ، وَهُوَ التَّنْبِيهُ بِالْأَدْنَى عَلَى الْأَعْلَى ; لِأَنَّهُ إِذَا امْتَنَعَ مَعَ الِاحْتِيَاجِ فَمَعَ عَدَمِهِ أَوْلَى، وَقَالَ الْعَسْقَلَانِيُّ: وَهَذَا دَالٌّ عَلَى ضَعْفِ مَا أَخْرَجَهُ التِّرْمِذِيُّ عَنْ عَائِشَةَ، قَالَتْ: رُبَّمَا انْقَطَعَ شِسْعُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَمَشَى فِي النَّعْلِ الْوَاحِدَةِ، حَتَّى يُصْلِحَهَا، قَالَ مِيرَكُ: هَكَذَا نَقَلَهُ الشَّيْخُ عَنْ جَامِعِ التِّرْمِذِيِّ، وَلَمْ أَجِدْهُ بِهَذَا اللَّفْظِ فِي أَصْلِ التِّرْمِذِيِّ، بَلْ فِيهِ مِنْ طَرِيقِ لَيْثِ بْنِ أَبِي سُلَيْمٍ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ الْقَاسِمِ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عَائِشَةَ، قَالَتْ: رُبَّمَا مَشَى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي نَعْلٍ وَاحِدَةٍ، وَهَكَذَا أَوْرَدَهُ صَاحِبُ الْمَصَابِيحِ، وَصَاحِبُ الْمِشْكَاةِ، وَالشَّيْخُ الْجَزَرِيُّ فِي تَصْحِيحِ الْمَصَابِيحِ، عَنِ التِّرْمِذِيِّ، وَاللَّهُ أَعْلَمُ.

ثُمَّ قَالَ: وَوَجْهُ إِدْخَالِ هَذَا الْحَدِيثِ فِي هَذَا الْبَابِ الْإِشَارَةُ إِلَى أَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمْ يَمْشِ عَلَى هَذِهِ الْحَالَةِ الْمَنْهِيَّةِ عَنْهَا أَصْلًا، وَفِيهِ إِيمَاءٌ إِلَى تَضْعِيفِ حَدِيثِ عَائِشَةَ الْمُتَقَدِّمُ، وَاللَّهُ أَعْلَمُ.

(حَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ عَنْ مَالِكٍ عَنْ أَبِي الزِّنَادِ وَنَحْوَهُ) بِالنَّصْبِ أَيْ مِثْلَهُ فِي الْمَعْنَى دُونَ اللَّفْظِ الْمُتَعَلِّقِ بِالْمَتْنِ، وَالْأَظْهَرُ أَنَّهُ يُرِيدُ بِنَحْوِهِ، نَحْوَ الْإِسْنَادِ الْمُتَقَدِّمِ، فَكَأَنَّهُ قَالَ إِلَى آخِرِ الْإِسْنَادِ فَلَا يُرَدُّ مَا قَالَهُ الْعِصَامُ مِنْ أَنَّ حَدِيثَ قُتَيْبَةَ مُنْقَطِعٌ وَمُرْسَلٌ ; لِإِسْقَاطِ الْأَعْرَجِ عَنِ الْإِسْنَادِ وَإِسْنَادِ أَبِي هُرَيْرَةَ، نَعَمْ كَانَ يَكْفِي أَنْ يَقُولَ عَنْ مَالِكٍ وَيَزِيدَ بِهَذَا الْإِسْنَادِ.

(حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ بْنُ مُوسَى أَخْبَرَنَا مَعْنٌ، أَخْبَرَنَا مَالِكٌ، عَنْ أَبِي الزُّبَيْرِ عَنْ جَابِرٍ، أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نَهَى أَنْ يَأْكُلَ يَعْنِي) هَذَا كَلَامُ جَابِرٍ أَوِ الرَّاوِي عَنْهُ مَعَ بُعْدٍ يَعْنِي يُرِيدُ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِضَمِيرِ يَأْكُلُ، (الرَّجُلَ) وَالْمَرْأَةُ تَابِعَةٌ لَهُ فِي الْأَحْكَامِ، وَإِنَّمَا فَسَّرَهُ دَفْعًا لِتَوَهُّمِ رُجُوعِ الضَّمِيرِ إِلَى جَابِرٍ، وَقَوْلُهُ: (بِشِمَالِهِ) بِكَسْرِ الشِّينِ مُتَعَلِّقٌ بِيَأْكُلُ (أَوْ يَمْشِي) عَطْفٌ عَلَى يَأْكُلُ (فِي نَعْلٍ وَاحِدَةٍ) بِالتَّأْنِيثِ، وَعِلَّةُ النَّهْيِ عَنْهُمَا تَشَبُّهُ الشَّيْطَانِ، وَأَوْ لِلتَّنْوِيعِ فَكُلُّ مَا قَبْلَهَا وَمَا بَعْدَهَا مَنْهِيٌّ عَنْهُ، قَالَ الْحَنَفِيُّ: شَكٌّ مِنَ الرَّاوِي، وَهُوَ وَهْمٌ مِنْهُ، ثُمَّ قَالَ: وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ بِمَعْنَى الْوَاوِ، فَيَكُونُ كِلَاهُمَا مَنْهِيًّا، وَفِيهِ أَنَّ حَمْلَهَا عَلَى الْوَاوِ

يُوهِمُ فَسَادَ الْمَعْنَى ; لِإِيهَامِهَا أَنَّ الْمَنْهِيَّ عَنْهُ اجْتِمَاعُهُمَا، وَلَيْسَ كَذَلِكَ بَلْ هُوَ عَلَى حَدِّ وَلَا تُطِعْ مِنْهُمْ آثِمًا أَوْ كَفُورًا

<<  <  ج: ص:  >  >>