للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الْكَتِفَيْنِ، عُطِفَ عَلَى قَوْلِهِ: قَالَ نَافِعٌ: لِأَنَّ كِلَيْهِمَا مِنْ كَلَامِ عُبَيْدِ اللَّهِ، كَذَا حَقَّقَهُ الْعِصَامُ، وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِالْمَرَامِ. قَالَ مِيرَكُ: وَقَدْ ثَبَتَ فِي السِّيَرِ بِرِوَايَاتٍ صَحِيحَةٍ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يُرْخِي عَلَاقَتَهُ أَحْيَانًا بَيْنَ كَتِفَيْهِ، وَأَحْيَانًا يَلْبَسُ الْعِمَامَةَ مِنْ غَيْرِ عَلَاقَةٍ، وَقَدْ أَخْرَجَ أَبُو دَاوُدَ وَالْمُصَنِّفُ فِي الْجَامِعِ بِسَنَدِهِمَا عَنْ شَيْخٍ مِنْ أَهْلِ الْمَدِينَةِ، قَالَ: سَمِعْتُ عَبْدَ الرَّحْمَنِ بْنَ عَوْفٍ يَقُولُ: عَمَّمَنِي رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَسَدَلَهَا بَيْنَ يَدَيَّ وَمِنْ خَلْفِي، وَرَوَى ابْنُ أَبِي شَيْبَةَ عَنْ عَلِيٍّ كَرَّمَ اللَّهُ وَجْهَهُ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَمَّمَهُ بِعِمَامَةٍ، وَسَدَلَ طَرَفَيْهَا عَلَى مَنْكِبَيْهِ، وَفِي شَرْحِ السُّنَّةِ قَالَ مُحَمَّدُ بْنُ قَيْسٍ: رَأَيْتُ ابْنَ عُمَرَ مُعْتَمًّا، قَدْ أَرْسَلَهَا بَيْنَ يَدَيْهِ، وَمِنْ خَلْفِهِ، فَعُلِمَ مِمَّا تَقَدَّمَ أَنَّ الْإِتْيَانَ بِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْ تِلْكَ الْأُمُورِ سُنَّةٌ، قَالَ مِيرَكُ: وَرُوِيَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يَلْبَسُ الْقَلَانِسَ تَحْتَ الْعَمَائِمِ، وَيَلْبَسُ الْعَمَائِمَ بِغَيْرِ الْقَلَانِسِ، قَالَ الْجَوْزِيُّ: قَالَ بَعْضُ الْعُلَمَاءِ: السُّنَّةُ أَنْ يَلْبَسَ الْقَلَنْسُوَةَ وَالْعَمَائِمَ، فَأَمَّا لُبْسُ الْقَلَنْسُوَةِ وَحْدَهَا، فَهُوَ زِيُّ الْمُشْرِكِينَ، لِمَا فِي حَدِيثِ أَبِي دَاوُدَ وَالتِّرْمِذِيِّ مِنْ حَدِيثِ أَبِي رُكَانَةَ، أَنَّهُ قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: فَرْقُ مَا بَيْنَنَا وَبَيْنَ الْمُشْرِكِينَ الْعَمَائِمُ عَلَى الْقَلَانِسِ، وَقَالَ الشَّيْخُ الْجَزَرِيُّ فِي تَصْحِيحِ الْمَصَابِيحِ: قَدْ تَتَبَّعْتُ الْكُتُبَ وَتَطَلَّبْتُ مِنَ السِّيَرِ وَالتَّوَارِيخِ لِأَقِفَ عَلَى قَدْرِ عِمَامَةِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَلَمْ أَقِفْ عَلَى شَيْءٍ حَتَّى أَخْبَرَنِي مَنْ أَثِقُ بِهِ أَنَّهُ وَقَفَ عَلَى شَيْءٍ مِنْ كَلَامِ النَّوَوِيِّ، ذَكَرَ فِيهِ أَنَّهُ كَانَ لَهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عِمَامَةٌ قَصِيرَةٌ، وَعِمَامَةٌ طَوِيلَةٌ، وَأَنَّ الْقَصِيرَةَ كَانَتْ سَبْعَةَ أَذْرُعٍ، وَالطَّوِيلَةَ كَانَتِ اثْنَيْ عَشَرَ ذِرَاعًا انْتَهَى.

وَظَاهِرُ كَلَامِ الْمَدْخَلِ أَنَّ عِمَامَتَهُ كَانَتْ سَبْعَةَ أَذْرُعٍ مُطْلَقًا مِنْ غَيْرِ تَقْيِيدٍ بِالْقَصِيرِ وَالطَّوِيلِ، وَاللَّهُ أَعْلَمُ. وَقَدْ كَانَتْ سِيرَتُهُ فِي مَلْبَسِهِ أَتَمَّ، وَنَفْعُهُ لِلنَّاسِ أَعَمَّ، إِذْ تَكْبِيرُ الْعِمَامَةِ يُعَرِّضُ الرَّأْسَ لِلْآفَاتِ، كَمَا هُوَ مُشَاهَدٌ فِي الْفُقَهَاءِ الْمَكِّيَّةِ، وَالْقُضَاةِ الرُّومِيَّةِ، وَتَصْغِيرُهَا لَا يَقِي مِنَ الْحَرِّ وَالْبَرْدِ، فَكَانَ يَجْعَلُهَا وَسَطًا بَيْنَ ذَلِكَ، قَالَ صَاحِبُ الْمَدْخَلِ: عَلَيْكَ أَنْ تَتَسَرْوَلَ قَاعِدًا وَتَتَعَمَّمَ قَائِمًا انْتَهَى.

قَالَ ابْنُ الْقَيِّمِ عَنْ شَيْخِهِ ابْنِ تَيْمِيَةَ: أَنَّهُ ذَكَرَ شَيْئًا بَدِيعًا، وَهُوَ أَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمَّا رَأَى رَبَّهُ وَاضِعًا يَدَهُ بَيْنَ كَتِفَيْهِ أَكْرَمَ ذَلِكَ الْمَوْضِعَ بِالْعَذَبَةِ، قَالَ الْعِرَاقِيُّ: لَمْ نَجِدْ لِذَلِكَ أَصْلًا، قَالَ ابْنُ حَجَرٍ: بَلْ هَذَا مِنْ قَبِيحِ رَأْيِهِمَا وَضَلَالِهِمَا إِذْ هُوَ مَبْنِيٌّ عَلَى مَا ذَهَبَا إِلَيْهِ، وَأَطَالَا فِي الِاسْتِدْلَالِ لَهُ، وَالْحَطِّ عَلَى أَهْلِ السُّنَّةِ فِي نَفْيِهِمْ لَهُ، وَهُوَ إِثْبَاتُ الْجِهَةِ وَالْجِسْمِيَّةِ لِلَّهِ تَعَالَى، وَلَهُمَا فِي هَذَا الْمَقَامِ مِنَ الْقَبَائِحِ، وَسُوءِ الِاعْتِقَادِ مَا تُصَمُّ عَنْهُ الْآذَانُ وَيُقْضَى عَلَيْهِ بِالزُّورِ وَالْبُهْتَانِ، قَبَّحَهُمَا اللَّهُ وَقَبَّحَ مَنْ قَالَ بِقَوْلِهِمَا، وَالْإِمَامُ أَحْمَدُ وَأَجِلَّاءُ مَذْهَبِهِ مُبَرَّؤُنَ عَنْ هَذِهِ الْوَصْمَةِ الْقَبِيحَةِ كَيْفَ وَهِيَ كُفْرٌ عِنْدَ كَثِيرِينَ أَقُولُ صَانَهُمَا اللَّهُ مِنْ هَذِهِ السِّمَةِ الشَّنِيعَةِ، وَالنِّسْبَةِ الْفَظِيعَةِ، وَمَنْ طَالَعَ شَرْحَ مَنَازِلِ السَّائِرِينَ، تَبَيَّنَ لَهُ أَنَّهُمَا كَانَا مِنْ أَكَابِرِ أَهْلِ السُّنَّةِ وَالْجَمَاعَةِ، وَمِنْ أَوْلِيَاءِ هَذِهِ الْأُمَّةِ، وَمِمَّا ذَكَرَهُ فِي الشَّرْحِ الْمَذْكُورِ قَوْلُهُ: عَلَى مَا نَصَّهُ، وَهَذَا الْكَلَامُ مِنْ شَيْخِ الْإِسْلَامِ يَعْنِي الشَّيْخَ عَبْدَ اللَّهِ الْأَنْصَارِيَّ الْحَنْبَلِيَّ قَدَّسَ اللَّهُ سِرَّهُ الْجَلِيَّ، تُبَيِّنُ مَرْتَبَتَهُ مِنَ السُّنَّةِ

وَمِقْدَارَهُ فِي الْعِلْمِ وَأَنَّهُ بَرِيءٌ مِمَّا رَمَاهُ بِهِ أَعْدَاؤُهُ الْجَهْمِيَّةُ مِنَ التَّشَبُّهِ وَالتَّمْثِيلِ عَلَى عَادَتِهِمْ فِي رَمْيِ أَهْلِ الْحَدِيثِ وَالسُّنَّةِ بِذَلِكَ، كَرَمْيِ الرَّافِضَةِ لَهُمْ بِأَنَّهُمْ نَوَاصِبُ، وَالنَّاصِبَةُ بِأَنَّهُمْ رَوَافِضُ، وَالْمُعْتَزِلَةُ بِأَنَّهُمْ نَوَائِبُ حَشْوِيَّةٍ، وَذَلِكَ مِيرَاثٌ مِنْ أَعْدَاءِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي رَمْيِهِ وَرَمْيِ أَصْحَابِهِ بِأَنَّهُمْ صَبَأَةٌ، قَدِ ابْتَدَعُوا دِينًا مُحْدَثًا، وَهَذَا مِيرَاثٌ لِأَهْلِ الْحَدِيثِ وَالسُّنَّةِ مِنْ نَبِيِّهِمْ بِتَلْقِيبِ أَهْلِ الْبَاطِلِ لَهُمْ بِالْأَلْقَابِ الْمَذْمُومَةِ.

وَقَدَّسَ اللَّهُ رُوحَ الشَّافِعِيِّ حَيْثُ يَقُولُ: وَقَدْ نُسِبَ إِلَى الرَّفْضِ: شِعْرٌ:

إِنْ كَانَ رَفْضًا حُبُّ آلِ مُحَمَّدٍ فَلْيَشْهَدِ الثَّقَلَانِ أَنِّيَ رَافِضِي

وَرَضِيَ اللَّهُ عَنْ شَيْخِنَا أَبِي عَبْدِ اللَّهِ بْنِ تَيْمِيَةَ حَيْثُ يَقُولُ: شِعْرٌ:

إِنْ كَانَ نَصْبًا حُبُّ صَحْبِ مُحَمَّدٍ فَلْيَشْهَدِ الثَّقَلَانِ أَنِّيَ نَاصِبِي

وَعَفَى اللَّهُ عَنِ الثَّالِثِ حَيْثُ يَقُولُ: شِعْرٌ:

فَإِنْ كَانَ تَجْسِيمًا ثُبُوتُ صِفَاتِهِ وَتَنْزِيهُهَا عَنْ كُلِّ تَأْوِيلِ مُفْتَرِ

فَإِنِّي بِحَمْدِ اللَّهِ رَبِّي مُجَسِّمٌ هَلُمُّوا شُهُودًا وَامْلَأُوا كُلَّ مَحْضَرِ

ثُمَّ ذَكَرَ فِي الشَّرْحِ الْمَذْكُورِ مَا يَدُلُّ عَلَى بَرَاءَتِهِ مِنَ التَّشْنِيعِ الْمَسْطُورِ، وَهُوَ أَنْ حَفِظَ حُرْمَةَ نُصُوصِ الْأَسْمَاءِ وَالصِّفَاتِ بِإِجْرَاءِ أَخْبَارِهَا عَلَى ظَوَاهِرِهَا، وَهُوَ اعْتِقَادُ مَفْهُومِهَا الْمُتَبَادَرِ إِلَى أَفْهَامِ الْعَامَّةِ، وَلَا نَعْنِي بِالْعَامَّةِ الْجُهَّالَ، بَلْ عَامَّةَ الْأُمَّةِ، كَمَا قَالَ مَالِكٌ رَحِمَهُ اللَّهُ: وَقَدْ سُئِلَ عَنْ قَوْلِهِ تَعَالَى: الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى كَيْفَ اسْتَوَى فَأَطْرَقَ

<<  <  ج: ص:  >  >>