فَنَظَرْتُ) أَيْ إِلَى لُبَاسِهِ (فَإِذَا إِزَارُهُ) بِاعْتِبَارِ طَرَفَيْهِ (إِلَى نِصْفِ سَاقَيْهِ) وَفِيهِ إِشَارَةٌ إِلَى أَنَّهُ يَنْبَغِي لِلْكَامِلِ أَنْ يَكُونَ جَامِعًا بَيْنَ الْقَوْلِ وَالْفِعْلِ ; لِيَكْمُلَ هَذَا، وَقَدْ أَغْرَبَ الْحَنَفِيُّ فِي هَذَا الْمَقَامِ، حَيْثُ قَالَ: كَانَ الصَّحَابِيُّ تَوَهَّمَ مِنْ قَوْلِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ارْفَعْ إِزَارَكَ، الْأَمْرَ بِالْقَطْعِ فَاعْتَذَرَ بِأَنَّهَا بُرْدَةٌ مَلْحَاءُ لَا يُنَاسِبُ قَطْعُهَا، انْتَهَى.
وَهُوَ خَطَأٌ فَاحِشٌ لَفْظًا وَمَعْنًى، أَمَّا لَفْظًا فَإِنَّ إِرَادَةَ الْقَطْعِ مِنَ الرَّفْعِ لَا تُتَصَوَّرُ مِنْ عَجَمِيٍّ فَكَيْفَ تَجُوزُ مِنْ صَحَابِيٍّ عَرَبِيٍّ، وَأَمَّا مَعْنًى، فَإِنَّهُ يَنْقَلِبُ اعْتِذَارُهُ اعْتِرَاضًا مَعَ أَنَّ الْبُرْدَةَ الْمَلْحَاءَ مِمَّا يَلْبَسُهُ سُكَّانُ الْبَادِيَةِ، وَأَعْجَبُ مِنْهُ قَوْلُ الْعِصَامِ، وَنَحْنُ نَقُولُ: أَرَادَ إِنَّهَا بُرْدَةٌ مَلْحَاءُ وَالْعَادَةُ فِي الِاكْتِسَاءِ بِهَا هُوَ ذَلِكَ، فَكَيْفَ أَرْفَعُهَا انْتَهَى.
وَفَسَادُهُ لَا يَخْفَى ; وَلِهَذَا قَالَ ابْنُ حَجَرٍ: وَلِبَعْضِهِمْ هُنَا تَخْلِيطٌ فَاجْتَنِبْهُ، ثُمَّ بِمَا قَرَّرْنَاهُ سَابِقًا انْدَفَعَ مَا قَالَهُ ابْنُ حَجَرٍ، مِنْ أَنَّ هَذَا الِاعْتِذَارَ إِنَّمَا يَتِمُّ فِي مُقَابَلَةِ قَوْلِهِ: أَتْقَى بِالْفَوْقِيَّةِ ; لِأَنَّهُ الْأَهَمُّ وَالْأَحْرَى بِالِاعْتِنَاءِ بِهِ إِذِ اخْتِلَالُهُ لَهُ يَقْدَحُ نُقْصَانًا فِي الدِّينِ، وَهُوَ التَّكَبُّرُ وَالْخُيَلَاءُ، وَلَمْ يَعْتَذِرْ عَنِ الْأَخِيرَيْنِ ; لِأَنَّ الْأَمْرَ فِيهِمَا أَسْهَلُ وَأَخَفُّ، وَاللَّهُ أَعْلَمُ.
(حَدَّثَنَا سُوَيْدٌ) بِالتَّصْغِيرِ (ابْنُ نَصْرٍ) بِسُكُونِ مُهْمَلَةٍ (حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ الْمُبَارَكِ عَنْ مُوسَى بْنِ عُبَيْدَةَ) بِالتَّصْغِيرِ أَخْرَجَ حَدِيثَهُ التِّرْمِذِيُّ وَابْنُ مَاجَهْ (عَنْ إِيَاسِ) بِكَسْرِ الْهَمْزَةِ (بْنِ سَلَمَةَ بْنِ الْأَكْوَعِ) رَوَى عَنْهُ السِّتَّةُ (عَنْ أَبِيهِ) أَيْ سَلَمَةَ بْنِ الْأَكْوَعِ وَهُوَ نِسْبَةٌ إِلَى الْجَدِّ، فَإِنَّ سَلَمَةَ بْنَ عَمْرٍو غَزَا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سَبْعَ غَزَوَاتٍ (قَالَ: كَانَ عُثْمَانُ بْنُ عَفَّانَ) بِلَا انْصِرَافٍ.
وَقِيلَ: بِانْصِرَافٍ (يَأْتَزِرُ) بِهَمْزَةٍ سَاكِنَةٍ وَيَجُوزُ إِبْدَالُهَا أَلِفًا، أَيْ يَلْبَسُ الْإِزَارَ وَيُرْخِيهِ (إِلَى أَنْصَافِ سَاقَيْهِ) وَالْمُرَادُ بِالْجَمْعِ مَا فَوْقَ الْوَاحِدِ بِقَرِينَةٍ، مَا أُضِيفَ إِلَيْهِ، وَقِيلَ فِي جَمْعِ الْأَنْصَافِ: إِشَارَةٌ إِلَى التَّوْسِعَةِ (وَقَالَ) أَيْ عُثْمَانُ وَيُحْتَمَلُ سَلَمَةَ عَلَى بُعْدٍ، وَيُؤَيِّدُ الْأَوَّلَ تَكْرَارُ قَالَ، وَإِنَّمَا لَمْ يَقُلْ يَقُولُ عَلَى الْأَوَّلِ، كَمَا قَالَ يَأْتَزِرُ حَتَّى يَدُلَّ عَلَى الِاسْتِمْرَارِ ; لِأَنَّهُ لَمْ يَسْمَعْ ذَلِكَ
مِنْهُ مُكَرَّرًا (هَكَذَا) أَيْ مِثْلَ هَذَا الِاتِّزَارِ الْمَذْكُورِ (كَانَتْ إِزْرَةُ صَاحِبِي) بِكَسْرِ أَوَّلِهِ وَسُكُونِ الزَّايِ صِيغَةُ النَّوْعِ وَالْهَيْئَةِ (يَعْنِي) أَيْ يُرِيدُ عُثْمَانَ بِصَاحِبِي (النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ) وَالْأَظْهَرُ أَنَّهُ مِنْ كَلَامِ سَلَمَةَ، أَوْ يَعْنِي سَلَمَةَ بْنَ الْأَكْوَعِ، وَالظَّاهِرُ أَنَّ قَائِلَهُ إِيَاسٌ، وَفَائِدَةُ نَقْلِ سَلَمَةَ حِينَئِذٍ الْإِزْرَةَ عَنْ عُثْمَانَ، مَعَ أَنَّهُ عَالِمٌ بِحَالِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ; لِيُعْلَمَ أَنَّهُ سُنَّةٌ مَحْفُوظَةٌ مَعْمُولَةٌ لِخَلِيفَةِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَلْيَتَأَكَّدِ النَّدْبُ ; وَلِذَا قَالَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: عَلَيْكُمْ بِسُنَّتِي وَسُنَّةِ الْخُلَفَاءِ الرَّاشِدِينَ مِنْ بَعْدِي.
(حَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ) أَيِ ابْنُ سَعِيدٍ، كَمَا فِي نُسْخَةٍ، وَأَمَّا نُسْخَةُ ابْنِ سَعْدٍ بِلَا يَاءٍ فَتَحْرِيفٌ (أَخْبَرَنَا) وَفِي نُسْخَةٍ صَحِيحَةٍ أَنْبَأَنَا، وَفِي نُسْخَةٍ حَدَّثَنَا (أَبُو الْأَحْوَصِ عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ) أَيِ السُّبَيْعِيِّ (عَنْ مُسْلِمِ بْنِ نُذَيْرٍ) بِضَمِّ نُونٍ وَفَتْحِ ذَالٍ مُعْجَمَةٍ وَسُكُونِ يَاءٍ فَرَاءٍ، أَخْرَجَ حَدِيثَهُ الْبُخَارِيُّ فِي الْأَدَبِ الْمُفْرَدِ، وَالتِّرْمِذِيُّ وَالنَّسَائِيُّ وَابْنُ مَاجَهْ، وَفِي نُسْخَةٍ يَزِيدُ بِفَتْحِ تَحْتِيَّةٍ، وَكَسْرِ زَايٍ آخِرُهُ دَالٌ مُهْمَلَةٌ، فَفِي التَّقْرِيبِ مُسْلِمُ بْنُ نُذَيْرٍ مُصَغَّرًا، وَيُقَالُ: ابْنُ يَزِيدَ كُوفِيٌّ يُكَنَّى أَبَا عِيَاضٍ نَقَلَهُ مِيرَكُ (عَنْ حُذَيْفَةَ بْنِ الْيَمَانِ) بِكَسْرِ النُّونِ بِلَا يَاءٍ، كَانَ حُذَيْفَةُ صَاحِبَ سِرِّ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي الْمُنَافِقِينَ وَالْفِتَنِ، أَسْلَمَ هُوَ وَأَبُوهُ قَبْلَ بَدْرٍ وَشَهِدَا أُحُدًا وَقُتِلَ أَبُوهُ فِي الْمَعْرَكَةِ قَتَلَهُ الْمُسْلِمُونَ خَطَأً، فَوَهَبَ لَهُمْ دَمَهُ (قَالَ: أَخَذَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِعَضَلَةِ سَاقِي) بِفَتْحِ عَيْنٍ مُهْمَلَةٍ وَضَادٍ مُعْجَمَةٍ، كُلُّ لَحْمَةٍ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute