للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

مِنْ نَفْيِ رُؤْيَتِهِ عَدَمُ وُجُودِهِ عِنْدَ غَيْرِهِ (فَقِيلَ لَهُ) أَيْ لِسَهْلٍ (هَلْ كَانَتْ لَكُمْ) لِأَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى جِهَةِ التَّغْلِيبِ، وَالْمُرَادُ مِنْهُمْ قُطَّانُ الْمَدِينَةِ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنْصَارِ (مَنَاخِلُ) بِفَتْحِ أَوَّلِهِ، جَمْعُ مُنْخُلٍ بِضَمَّتَيْنِ آلَةُ النَّخْلِ عَلَى غَيْرِ الْقِيَاسِ، وَفَتْحُ الْخَاءِ لُغَةٌ (عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ) أَيْ

فِي زَمَانِهِ (قَالَ: مَا كَانَتْ لَنَا مَنَاخِلُ) فِيهِ مُقَابَلَةُ الْجَمْعِ بِالْجَمْعِ، فَلَا يَرِدُ أَنَّهُ لَا يَلْزَمُ مِنْ نَفْيِ الْجَمْعِ نَفْيُ الْمُفْرَدِ، وَالْمُرَادُ مَا كَانَتْ لَنَا مَنَاخِلُ فِي عَهْدِهِ ; لِيُطَابِقَ الْجَوَابُ السُّؤَالَ، وَلِيُوَافِقَ مَا فِي الْوَاقِعِ، إِذْ بَعْدَهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَتْ لَهُمْ وَلِغَيْرِهِمْ مَنَاخِلُ، مِمَّنْ لَمْ يَثْبُتْ عَلَى حَالِهِ ; وَلِذَا قِيلَ: الْمُنْخُلُ أَوَّلُ بِدْعَةٍ فِي الْإِسْلَامِ.

وَفِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ عَنِ الْحَسَنِ أَنَّ عَائِذَ بْنَ عَمْرٍو كَانَ مِنْ أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، دَخَلَ عَلَى عَبْدِ اللَّهِ بْنِ زِيَادٍ، فَقَالَ: أَيْ بُنَيَّ إِنِّي سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: إِنَّ شَرَّ الرِّعَاءِ الْحُطَمَةُ، فَإِيَّاكَ أَنْ تَكُونَ مِنْهُمْ، فَقَالَ لَهُ: اجْلِسْ فَإِنَّمَا أَنْتَ مِنْ نُخَالَةِ أَصْحَابِ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَ: هَلْ كَانَتْ لَهُمْ نُخَالَةٌ، إِنَّمَا كَانَتِ النُّخَالَةُ بَعْدَهُمْ، وَفِي غَيْرِهِمْ (فَقِيلَ: كَيْفَ كُنْتُمْ تَصْنَعُونَ بِالشَّعِيرِ) أَيْ بِدَقِيقِهِ مَعَ كَثْرَةِ مَا فِيهِ مِنَ النُّخَالَةِ (قَالَ: كُنَّا نَنْفُخُهُ) بِضَمِّ الْفَاءِ أَيْ نُطَيِّرُهُ إِلَى الْهَوَاءِ بِالْيَدِ، أَوْ بِغَيْرِهَا (فَيَطِيرُ مِنْهُ) أَيْ مِنَ الشَّعِيرِ مَا طَارَ، مِمَّا فِيهِ خِفَّةٌ كَالتِّبْنِ، وَيَبْقَى مَا فِيهِ رَزَانَةٌ كَالدَّقِيقِ (ثُمَّ نَعْجِنُهُ) بِفَتْحِ النُّونِ فَكَسْرِ الْجِيمِ.

وَفِي هَذَا بَيَانُ تَرْكِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ التَّكَلُّفَ وَالِاهْتِمَامَ بِشَأْنِ الطَّعَامِ، فَإِنَّهُ لَا يَعْتَنِي بِهِ إِلَّا أَهْلُ الْحَمَاقَةِ وَالْغَفْلَةِ وَالْبِطَالَةِ، وَرَوَى الْبُخَارِيُّ عَنْ سَهْلٍ نَحْوَ رِوَايَةِ الْمُصَنِّفِ، وَقَالَ مِيرَكُ: وَرُوِيَ عَنْ سَهْلٍ فِي بَعْضِ طُرُقِ الْحَدِيثِ، مَا رَأَى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مُنْخُلًا مِنْ حِينِ ابْتَعَثَهُ اللَّهُ حَتَّى قَبَضَهُ.

قَالَ الْعَسْقَلَانِيُّ: أَظُنُّ أَنَّ سَهْلًا احْتَرَزَ عَمَّا كَانَ قَبْلَ الْمَبْعَثِ ; لِأَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تَوَجَّهَ فِي أَيَّامِ الْفَتْرَةِ مَرَّتَيْنِ إِلَى جَانِبِ الشَّامِ، تَاجِرًا وَوَصَلَ إِلَى بُصْرَى وَحَضَرَ فِي ضِيَافَةِ بَحِيرَا الرَّاهِبِ، وَكَانَتِ الشَّامُ إِذْ ذَاكَ مَعَ الرُّومِ، وَالْخُبْزُ النَّقِيُّ عِنْدَهُمْ كَثِيرٌ، وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رَأَى ذَلِكَ عِنْدَهُمْ، وَأَمَّا بَعْدَ ظُهُورِ النُّبُوَّةِ، فَلَا شَكَّ أَنَّهُ فِي مَكَّةَ وَالطَّائِفِ وَالْمَدِينَةِ، وَقَدِ اشْتَهَرَ أَنَّ سَبِيلَ الْعَيْشِ صَارَ مُضَيَّقًا عَلَيْهِ، وَعَلَى أَكْثَرِ الصَّحَابَةِ، اضْطِرَارًا وَاخْتِيَارًا.

وَلَوْ قِيلَ: أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تَوَجَّهَ فِي أَوَاخِرِ سِنِيِّ الْهِجْرَةِ إِلَى غَزْوِ بَنِي الْأَصْفَرِ، وَوَصَلَ إِلَى تَبُوكَ، وَهِيَ مِنْ أَعْمَالِ الشَّامِ، فَيُحْتَمَلُ أَنَّهُ رَأَى النَّقِيَّ فِي ذَلِكَ السَّفَرِ أَيْضًا.

أُجِيبَ بِأَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمْ يَفْتَحْ تِلْكَ الْكُورَةَ، وَلَا طَالَتْ إِقَامَتُهُ فِيهَا، وَلَمْ يَنْقُلْ أَرْبَابُ السِّيَرِ أَنَّ قَافِلَةَ الشَّامِ جَاءَتْ إِلَى تَبُوكَ فِي الْأَيَّامِ الَّتِي كَانَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نَازِلًا فِيهَا.

قُلْتُ: الظَّاهِرُ أَنَّ نَفْيَ سَهْلٍ رُؤْيَتَهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِالنِّسْبَةِ إِلَى عَمَلِهِ، لَا إِلَى مَا فِي الْوَاقِعِ، فَلَا يَرِدُ عَلَيْهِ وَارِدٌ أَصْلًا، وَرَوَى الْبَزَّارُ بِسَنَدٍ ضَعِيفٍ: «قُوتُوا طَعَامَكُمْ يُبَارَكْ لَكُمْ فِيهِ» ، وَحَكَى الْبَزَّارُ عَنْ بَعْضِ أَهْلِ الْعِلْمِ وَصَاحِبِ النِّهَايَةِ عَنِ الْأَوْزَاعِيِّ، أَنَّهُ تَصْغِيرُ الْأَرْغِفَةِ وَهَذَا أَوْلَى مِنْ خَبَرِ الدَّيْلَمِيِّ: «صَغِّرُوا الْخُبْزَ وَأَكْثِرُوا عَدَدَهُ يُبَارَكْ لَكُمْ فِيهِ» .

فَإِنَّهُ وَاهٍ وَمِنْ ثَمَّةَ ذَكَرَهُ ابْنُ الْجَوْزِيِّ فِي الْمَوْضُوعَاتِ، وَمِنْ خَبَرِ: «الْبَرَكَةُ فِي صِغَرِ الْقُرْصِ» فَإِنَّهُ كَذِبٌ.

كَمَا نُقِلَ عَنِ النَّسَائِيِّ.

(حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارٍ، أَخْبَرَنَا مُعَاذُ بْنُ هِشَامٍ حَدَّثَنِي أَبِي) قَالَ مِيرَكُ: هُوَ هِشَامٌ الدَّسْتَوَائِيُّ (عَنْ يُونُسَ) هُوَ ابْنُ أَبِي الْفُرَاتِ عُبَيْدٌ الْبَصْرِيُّ الْمَشْهُورُ بِالْإِسْكَافِ، كَمَا صَرَّحَ بِهِ الْمُصَنِّفُ فِيمَا سَيَأْتِي (عَنْ قَتَادَةَ) اعْلَمُ أَنَّ رِوَايَةَ مُعَاذِ بْنِ هِشَامٍ مِنْ قَبِيلِ رِوَايَةِ الْأَقْرَانِ ; لِأَنَّهُمَا مِنْ طَبَقَةٍ وَاحِدَةٍ، وَهِشَامٌ مِنَ الْمُكْثِرِينَ عَنْ قَتَادَةَ، وَكَأَنَّهُ لَمْ يَسْمَعْ هَذَا

الْحَدِيثَ مِنْهُ، وَسَمِعَهُ

<<  <  ج: ص:  >  >>