للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَكَذَا قَوْلُهُ: عَبَّرَ بِهِ عَنْ ذَلِكَ اسْتِحْيَاءً وَتَجَمُّلًا (فَقُرِّبَ) بِضَمِّ الْقَافِ وَتَشْدِيدِ الرَّاءِ (إِلَيْهِ) أَيْ إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (الطَّعَامُ) وَفِي نُسْخَةٍ بِالتَّنْكِيرِ (فَقَالُوا) أَيْ: بَعْضُ الصَّحَابَةِ (أَلَا نَأْتِيكَ) بِالِاسْتِفْهَامِ وَفِي نُسْخَةٍ بِحَذْفِهِ، لَكِنَّ الْمَعْنَى عَلَيْهِ وَالْبَاءُ

فِي قَوْلِهِ: (بِوَضُوءٍ) لِلتَّعْدِيَةِ، وَهُوَ بِفَتْحِ الْوَاوِ مَا يُتَوَضَّأُ بِهِ، وَمَعْنَى الِاسْتِفْهَامِ عَلَى الْعَرْضِ نَحْوَ أَلَا تَنْزِلُ عِنْدَنَا، وَالْمَعْنَى أَلَا تَتَوَضَّأُ كَمَا فِي الْحَدِيثِ الْآتِي (قَالَ: إِنَّمَا أُمِرْتُ) أَيْ وُجُوبًا (بِالْوُضُوءِ) بِضَمِّ الْوَاوِ، وَهُوَ الْوُضُوءُ الشَّرْعِيُّ أَيْ بِفِعْلِهِ (إِذَا قُمْتُ) مُتَعَلِّقٌ بِالْوُضُوءِ لَا بِأُمِرْتُ أَيْ أَرَدْتُ الْقِيَامَ، وَأَنَا مُحْدِثٌ (إِلَى الصَّلَاةِ) أَيْ وَمَا فِي مَعْنَاهَا، فَإِنَّهُ يَجِبُ الْوُضُوءُ عِنْدَ سَجْدَةِ التِّلَاوَةِ، وَمَسِّ الْمُصْحَفِ، وَإِرَادَةِ الطَّوَافِ، وَلَعَلَّهُ بَنَى الْكَلَامَ عَلَى الْأَعَمِّ الْأَغْلَبِ، وَكَأَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلِمَ مِنَ السَّائِلِ أَنَّهُ اعْتَقَدَ أَنَّ الْوُضُوءَ الشَّرْعِيَّ قَبْلَ الطَّعَامِ وَاجِبٌ مَأْمُورٌ بِهِ، فَنَفَاهُ عَلَى الطَّرِيقِ الْأَبْلَغِ، حَيْثُ أَتَى بِأَدَاةِ الْحَصْرِ، وَأَسْنَدَ الْأَمْرَ إِلَيْهِ تَعَالَى، وَهُوَ لَا يُنَافِي جَوَازَهُ، بَلِ اسْتِحْبَابُهُ فَضْلًا عَنِ اسْتِحْبَابِ الْوُضُوءِ الْعُرْفِيِّ الْمَفْهُومِ مِنَ الْحَدِيثِ الْآتِي آخِرَ الْبَابِ، سَوَاءٌ غَسَلَ يَدَيْهِ عِنْدَ شُرُوعِهِ فِي الْأَكْلِ أَمْ لَا.

قَالَ مِيرَكُ: لَيْسَ فِي هَذَا الْحَدِيثِ وَالَّذِي يَلِيهِ تَعَرُّضٌ لِغَسْلِ الْيَدَيْنِ ; لِأَجْلِ الطَّعَامِ لَا نَفْيًا، وَلَا إِثْبَاتًا، فَيُحْتَمَلُ أَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ غَسَلَ يَدَيْهِ عِنْدَ شُرُوعِهِ فِي الْأَكْلِ، قُلْتُ: وَيُحْتَمَلُ أَنَّهُ مَا غَسَلَهُمَا لِبَيَانِ الْجَوَازِ، وَهُوَ الْأَظْهَرُ فِي نَفْيِ الْوُجُوبِ الْمَفْهُومِ مِنْ جَوَابِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَفِي الْجُمْلَةِ لَا يَتِمُّ اسْتِدْلَالُ مَنِ احْتَجَّ بِهِ عَلَى نَفْيِ الْوُضُوءِ مُطْلَقًا، قَبْلَ الطَّعَامِ لِوُجُودِ الِاحْتِمَالِ، وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِالْحَالِ.

(حَدَّثَنَا سَعِيدُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ الْمَخْزُومِيُّ، حَدَّثَنَا سُفْيَانُ بْنُ عُيَيْنَةَ، عَنْ عَمْرِو بْنِ دِينَارٍ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْحُوَيْرِثِ) تَصْغِيرُ الْحَارِثِ (عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: خَرَجَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنَ الْغَائِطِ) الْغَوْطُ عُمْقُ الْأَرْضِ الْأَبْعَدُ، وَمِنْهُ قِيلَ: لِلْمُنْخَفِضِ مِنَ الْأَرْضِ، ثُمَّ قِيلَ لِمَوْضِعِ قَضَاءِ الْحَاجَةِ ; لِأَنَّ الْعَادَةَ أَنْ تُقْضَى فِي الْمُنْخَفِضِ، حَيْثُ هُوَ أَسْتَرُ لَهُ، ثُمَّ اتُّسِعَ فِيهِ حَتَّى صَارَ يُطْلَقُ عَلَى النَّحْوِ نَفْسِهِ، كَذَا حَرَّرَهُ الْحَنَفِيُّ، وَالصَّحِيحُ أَنَّ الْغَائِطَ أَصْلُهُ الْمُطْمَئِنُّ مِنَ الْأَرْضِ، كَانُوا يَأْتُونَهُ لِلْحَاجَةِ قَبْلَ اتِّخَاذِ الْكُنُفِ فِي الْبُيُوتِ، فَكَنُّوا بِهِ عَنْ نَفْسِ الْحَدَثِ لِمَجَازِ الْمُجَاوَرَةِ كَرَاهَةً لِذِكْرِهِ بِخَاصِّ اسْمِهِ، إِذْ مِنْ عَادَةِ الْعَرَبِ التَّعَفُّفُ، وَاسْتِعْمَالُ الْكِنَايَةِ فِي كَلَامِهِمْ، وَصَوْنُ الْأَلْسِنَةِ عَمَّا يُصَانُ الْأَبْصَارُ وَالْأَسْمَاعُ عَنْهُ، وَالْمُرَادُ بِهِ هَاهُنَا هُوَ الْمَعْنَى الْأَصْلِيُّ، وَهُوَ الْمَكَانُ الْمَخْصُوصُ، وَمَا قَامَ مَقَامَهُ مِنَ الْكَنِيفِ، وَهُوَ الْمُسْتَرَاحُ بِدَلِيلِ مَا سَبَقَ فِي الْحَدِيثِ السَّابِقِ، خَرَجَ مِنَ الْخَلَاءِ (فَأُتِيَ) أَيْ جِيءَ (بِطَعَامٍ فَقِيلَ لَهُ أَلَا تَوَضَّأُ) بِحَذْفِ إِحْدَى التَّاءَيْنِ، وَفِي نُسْخَةٍ بِإِثْبَاتِهِمَا، وَالْمَعْنَى أَلَا تُرِيدَ الْوُضُوءَ فَنَأْتِيكَ بِالْوَضُوءِ، كَمَا تَقَدَّمَ (فَقَالَ أُصَلِّي) وَفِي نُسْخَةٍ بِهَمْزَةِ الِاسْتِفْهَامِ الْإِنْكَارِيِّ وَالْمَعْنَى عَلَيْهِ، فَإِنَّهُ إِنْكَارٌ لِمَا تَوَهَّمُوهُ مِنْ إِيجَابِ الْوُضُوءِ لِلْأَكْلِ (فَأَتَوَضَّأَ) بِالنَّصْبِ

لِكَوْنِهِ بَعْدَ النَّفْيِ، وَقَصْدِ السَّبَبِيَّةِ وَبِالرَّفْعِ لِعَدَمِ قَصْدِهَا ذَكَرَهُ الْعِصَامُ، وَقَالَ

<<  <  ج: ص:  >  >>