مِنَ الْخَلِيلِ، فَإِنَّهُ خُصَّ بِمَقَامِ الْمَحْبُوبِيَّةِ الَّتِي هِيَ أَرْفَعُ مِنْ مَقَامِ الْخُلَّةِ ; لِأَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي مَقَامِ الدُّعَاءِ اللَّائِقِ بِهِ، التَّوَاضُعُ وَالِانْكِسَارُ، لَا التَّمَدُّحُ وَالِافْتِخَارُ، وَأَيْضًا رَاعَى
الْأَدَبَ مَعَ جَدِّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، عَلَى أَنَّهُ أَشَارَ إِلَى تَمَيُّزِهِ عَنْهُ بِقَوْلِهِ: وَمِثْلَهُ مَعَهُ (قَالَ) أَيْ أَبُو هُرَيْرَةَ (ثُمَّ يَدْعُو أَصْغَرَ وَلِيدٍ) أَيْ: أَيَّ صَغِيرٍ (يَرَاهُ فَيُعْطِيهِ ذَلِكَ الثَّمَرَ) ، وَفِي نُسْخَةٍ: «وُلَيْدٍ» بِالتَّصْغِيرِ إِشَارَةً إِلَى أَنَّ اخْتِيَارَ الْأَصْغَرِ فَالْأَصْغَرِ لِزِيَادَةِ الْمُبَالَغَةِ، لَكِنَّ الْمُعْتَمَدَ هُوَ الْأَوَّلُ بِدُونِ «لَهُ» ، قَالَ مِيرَكْ شَاهْ كَذَا هُوَ فِي رِوَايَةِ هَذَا الْكِتَابِ، وَمِثْلَهُ فِي رِوَايَةِ مُسْلِمٍ، وَفِي رِوَايَةٍ لَهُ فَيُعْطِيهِ أَصْغَرَ مَنْ يَحْضُرُ مِنَ الْوِلْدَانِ، وَفِي أُخْرَى لِمُسْلِمٍ أَيْضًا: ثُمَّ يَدْعُو أَصْغَرَ وَلِيدٍ لَهُ فَيُعْطِيهِ، فَحَمَلَ بَعْضُهُمُ الرِّوَايَتَيْنِ الْمُطْلَقَتَيْنِ الْمُتَقَدِّمَتَيْنِ عَلَى هَذِهِ الرِّوَايَةِ الْمُقَيَّدَةِ، كَمَا تَقَرَّرَ فِي الْأُصُولِ مِنْ قَاعِدَةِ حَمْلِ الْمُطْلَقِ عَلَى الْمُقَيَّدِ، وَمِنْهُمْ مَنْ أَوَّلَ الرِّوَايَةَ الْمُقَيَّدَةَ بِأَنَّ قَوْلَهُ: أَصْغَرُ وَلِيدٍ لَهُ، يَعْنِي لِلْمُؤْمِنِينَ، وَلَيْسَ الْمُرَادُ مِنْ أَهْلِ بَيْتِهِ، انْتَهَى.
وَالْأَظْهَرُ أَنَّهُ مَا كَانَ يَعْتَنِي فِي أَنَّهُ يُعْطِيهِ لِأَصْغَرِ وَلَدٍ مِنْ أَهْلِ بَيْتِهِ، أَوْ مِنْ غَيْرِهِمْ، وَإِنَّمَا كَانَ بِحَسَبِ مَا اتُّفِقَ لَهُ مِنْ حُضُورِ أَيِّ صَغِيرٍ ظَهَرَ، نَعَمْ. لَوْ لَمْ يَكُنْ هُنَاكَ أَحَدٌ مِنَ الصِّغَارِ، رُبَّمَا يَخُصُّ أَحَدًا مِنْ صِغَارِ أَهْلِ بَيْتِهِ لِقُرْبِهِمْ وَقَرَابَتِهِمْ، وَأَمَّا مَعَ وُجُودِ صَغِيرٍ آخَرَ فَلَا يُتَصَوَّرُ إِيثَارُ أَحَدٍ مِنْ أَوْلَادِهِ، عَلَى أَوْلَادِ سَائِرِ أَصْحَابِهِ، كَمَا هُوَ الْمَعْلُومُ مِنْ كَرِيمِ أَخْلَاقِهِ، وَحُسْنِ آدَابِهِ، ثُمَّ تَخْصِيصُ الصِّغَارِ بِبَاكُورَةِ الثِّمَارِ لِلْمُنَاسَبَةِ الْوَاضِحَةِ بَيْنَهُمَا، مِنْ حُدْثَانِ عَهْدِهِمَا بِالْإِبْدَاعِ ; وَلِأَنَّ الصَّغِيرَ أَرْغَبُ فِيهِ وَأَكْثَرُ تَطَلُّبًا، وَأَشَدُّ حِرْصًا، وَلَفْتًا مَعَ مَا فِي إِيثَارِهِ عَلَى الْغَيْرِ مِنْ قَمْعِ الشَّرَهِ الْمُوجِبِ لِتَنَاوُلِهِ، وَكَسْرِ الشَّهْوَةِ الْمُقْتَضِيَةِ لِذَوْقِهِ، وَمِنْ أَنَّ النُّفُوسَ الزَّكِيَّةَ لَا تَرْكَنُ إِلَى تَنَاوُلِ شَيْءٍ مِنَ الْبَاكُورَةِ إِلَّا بَعْدَ أَنْ يَعُمَّ وُجُودُهُ، وَيَقْدِرَ كُلُّ أَحَدٍ عَلَى أَكْلِهِ، وَفِيهِ بَيَانُ حُسْنِ عِشْرَتِهِ، وَكَمَالِ شَفَقَتِهِ وَمَرْحَمَتِهِ وَمُلَاطَفَتِهِ مَعَ الْكَبِيرِ وَالصَّغِيرِ، وَتَنْزِيلُ كُلِّ أَحَدٍ فِي مَقَامِهِ وَمَرْتَبَتِهِ اللَّائِقَةِ بِهِ.
(حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ حُمَيْدٍ الرَّازِيُّ، حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ الْمُخْتَارِ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ إِسْحَاقَ، عَنْ أَبِي عُبَيْدَةَ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ عَمَّارِ بْنِ يَاسِرٍ عَنِ الرُّبَيِّعِ) بِضَمِّ الرَّاءِ وَفَتْحِ الْمُوَحَّدَةِ، وَتَشْدِيدِ التَّحْتَانِيَّةِ الْمَكْسُورَةِ، عَلَى صِيغَةِ التَّصْغِيرِ (بِنْتِ مُعَوَّذِ) بِتَشْدِيدِ الْوَاوِ وَفَتْحِهَا عَلَى الْأَشْهَرِ وَجَزَمَ الْوَقْشِيُّ أَنَّهُ بِالْكَسْرِ كَذَا نَقَلَهُ مِيرَكُ عَنِ الْحَافِظِ بْنِ حَجَرٍ الْعَسْقَلَانِيِّ، وَأَغْرَبَ شَيْخُنَا ابْنُ حَجَرٍ، وَتَبِعَ الْوَقْشِيَّ فِي اقْتِصَارِهِ عَلَى الْكَسْرِ (بْنِ عَفْرَاءَ) وَهُوَ الَّذِي قَتَلَ أَبَا جَهْلٍ، وَعَفْرَاءُ أُمُّهُ، وَأَبُوهُ الْحَارِثُ (قَالَتْ) أَيْ بِنْتُ مُعَوَّذٍ (بَعَثَنِي مُعَاذٌ) أَيِ ابْنُ عَفْرَاءَ كَمَا فِي نُسْخَةٍ، وَهُوَ عَمُّهَا وَهُوَ الْمُشَارِكُ لِأَخِيهِ فِي قَتْلِ أَبِي جَهْلٍ بِبَدْرٍ، وَتَمَّ أَمْرُ قَتْلِهِ عَلَى يَدِ ابْنِ مَسْعُودٍ بِأَنْ
جَزَّ رَأَسَهُ وَهُوَ مَجْرُوحٌ مَطْرُوحٌ يَتَكَلَّمُ (بِقِنَاعٍ) الْبَاءُ لِلتَّعْدِيَةِ مَعَ إِرَادَةِ الْمُصَاحَبَةِ، وَهُوَ بِكَسْرِ الْقَافِ الطَّبَقُ الَّذِي يُؤْكَلُ فِيهِ، وَقِيلَ: الَّذِي يُهْدَى عَلَيْهِ، وَمِنْ فِي قَوْلِهِ: (مِنْ رُطَبٍ) لِلتَّبْعِيضِ أَيْ بِقِنَاعٍ فِيهِ بَعْضُ رُطَبٍ (وَعَلَيْهِ) أَيْ وَعَلَى الْقِنَاعِ أَوِ الرُّطَبِ (أَجْرٌ) بِفَتْحِ الْهَمْزَةِ، وَسُكُونِ الْجِيمِ وَرَاءٍ مُنَوَّنٍ مَكْسُورٍ جَمْعُ جُرٍّ وَبِكَسْرِ الْجِيمِ، وَقِيلَ: بِتَثْلِيثِ أَوَّلِهِ وَفِي آخِرِهِ وَاوٌ كَأَدْلٍ جَمْعُ دَلْوٍ، وَهُوَ الصَّغِيرُ مِنْ كُلِّ شَيْءٍ حَتَّى الْحَنْظَلِ وَالْبِطِّيخِ وَنَحْوِهِ، وَالْمُرَادُ هُنَا الْقِثَّاءُ كَمَا هُوَ مُبَيَّنٌ بِمِنِ الْبَيَانِيَّةِ وَأَغْرَبَ الْحَنَفِيُّ حَيْثُ قَالَ: هُوَ صِغَارُ الْقِثَّاءِ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute