يَعُودُ، وَالْمَنْهِيُّ عَنْهُ هُوَ التَّنَفُّسُ فِي الْإِنَاءِ، بِلَا إِبَانَةٍ، وَيَدُلُّ عَلَى هَذَا الْمَعْنَى قَوْلُ أَنَسٍ (وَيَقُولُ) أَيِ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (هُوَ) أَيِ الشُّرْبُ بِالتَّنَفُّسِ ثَلَاثًا (أَمْرَأُ) أَيْ أَسْوَغُ وَأَهْضَمُ (وَأَرْوَى)
أَيْ أَكْثَرُ رِيًّا ; لِأَنَّهُ أَقْمَعُ لِلْعَطَشِ، وَأَقَلُّ أَثَرًا فِي بَرْدِ الْمَعِدَةِ، وَضَعْفِ الْأَعْصَابِ، كَمَا قَالَهُ الْقَاضِ وَغَيْرُهُ، وَفِي رِوَايَةِ مُسْلِمٍ أَمْرَأُ وَأَرْوَى وَأَبْرَأُ، أَيْ أَكْثَرُ بُرْأً وَصِحَّةً.
وَقَدْ وَرَدَ بِسَنَدٍ حَسَنٍ أَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يَشْرَبُ فِي ثَلَاثَةِ أَنْفَاسٍ، وَإِذَا أَدْنَى الْإِنَاءَ إِلَى فِيهِ سَمَّى اللَّهَ، وَإِذَا أَخَّرَهُ حَمِدَ اللَّهَ، يَفْعَلُ ذَلِكَ ثَلَاثًا.
هَذَا وَقَدْ قِيلَ: الْحِكْمَةُ فِي النَّهْيِ عَنِ التَّنَفُّسِ فِي الْإِنَاءِ مَعَ قَطْعِ النَّظَرِ عَنِ الْفَوَائِدِ الْمَذْكُورَةِ، فِي التَّنَفُّسِ خَارِجَ الْمَاءِ، أَنَّ التَّنَفُّسَ فِيهِ يُغَيِّرُ الْمَاءَ، إِمَّا لِتَغَيُّرِ الْفَمِ بِمَأْكُولٍ أَوْ تَرْكِ سِوَاكٍ، أَوْ لِأَنَّ التَّنَفُّسَ يَصْعَدُ بِبُخَارٍ فِي الْمَعِدَةِ.
قُلْتُ: وَقَدْ وَرَدَ أَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نَهَى عَنِ الْعَبِّ نَفَسًا وَاحِدًا، وَقَالَ: ذَلِكَ شُرْبُ الشَّيْطَانِ.
رَوَاهُ الْبَيْهَقِيُّ عَنِ ابْنِ شِهَابٍ مُرْسَلًا.
" إِذَا شَرِبَ أَحَدُكُمْ فَلْيَمُصَّ مَصًّا، وَلَا يَعُبُّ عَبًّا، فَإِنَّ الْكُبَادَ مِنَ الْعَبِّ ".
وَفِي مُسْنَدِ الْفِرْدَوْسِ عَنْ عَلِيٍّ مَرْفُوعًا.
" إِذَا شَرِبْتُمُ الْمَاءَ فَاشْرَبُوهُ مَصًّا، وَلَا تَشْرَبُوهُ عَبًّا، فَإِنَّ الْعَبَّ يُورِثُ الْكُبَادَ.
وَمِنْ آفَاتِ الشُّرْبِ دُفْعَةً وَاحِدَةً أَنَّهُ يُخْشَى مِنَ الشَّرَقِ ; لِانْسِدَادِ مَجْرَى الشَّرَابِ; لِكَثْرَةِ الْوَارِدِ عَلَيْهِ، فَإِذَا شَرِبَ عَلَى دُفْعَاتٍ أَمِنَ مِنْ ذَلِكَ، وَفِي حَدِيثِ الْبَيْهَقِيِّ عَنْ أَنَسٍ مَرْفُوعًا التَّأَنِّي مِنَ اللَّهِ، وَالْعَجَلَةُ مِنَ الشَّيْطَانِ.
وَفِي رِوَايَةِ أَبِي دَاوُدَ وَالْحَاكِمِ وَالْبَيْهَقِيِّ، عَنْ سَعْدٍ مَرْفُوعًا التُّؤَدَةُ فِي كُلِّ شَيْءٍ خَيْرٌ إِلَّا فِي عَمَلِ الْآخِرَةِ.
(حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ خَشْرَمٍ) بِفَتْحِ خَاءٍ وَسُكُونِ شِينٍ مُعْجَمَتَيْنِ يُصْرَفُ وَلَا يُصْرَفُ (أَنْبَأَنَا عِيسَى بْنُ يُونُسَ عَنْ رِشْدِينَ) فِي التَّقْرِيبِ هُوَ بِكَسْرٍ فَسُكُونِ مُعْجَمَةٍ فَدَالٍ مَكْسُورَةٍ، فَتَحْتِيَّةٍ سَاكِنَةٍ فَنُونٍ قَالَ مِيرَكُ: هُوَ ضَعِيفٌ (ابْنِ كُرَيْبٍ) بِالتَّصْغِيرِ (عَنْ أَبِيهِ) أَيْ كُرَيْبٍ وَهُوَ ثِقَةٌ ذَكَرَهُ مِيرَكُ (عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ إِذَا شَرِبَ تَنَفَّسَ مَرَّتَيْنِ) أَيْ فِي بَعْضِ الْأَوْقَاتِ وَبِهِ يُجْمَعُ بَيْنَ الرِّوَايَاتِ
وَيُؤَيِّدُهُ مَا رَوَاهُ الْمُصَنِّفُ فِي جَامِعِهِ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «لَا تَشْرَبُوا وَاحِدًا كَشُرْبِ الْبَعِيرِ، وَلَكِنِ اشْرَبُوا مَثْنَى وَثُلَاثَ، وَسَمُّوا إِذَا أَنْتُمْ شَرِبْتُمْ وَاحْمَدُوا إِذَا أَنْتُمْ رَفَعْتُمْ» .
قَالَ مِيرَكُ: وَفِي رِوَايَةِ الْبُخَارِيِّ مَرَّتَيْنِ أَوْ ثَلَاثًا وَأَوْ لِلتَّنْوِيعِ ; لِأَنَّهُ إِنْ رَوَى بِنَفَسَيْنِ اكْتَفَى بِمَا، وَإِلَّا فَثَلَاثٌ وَهَذَا لَيْسَ نَصًّا فِي الِاقْتِصَارِ عَلَى الْمَرَّتَيْنِ، بَلْ يُحْتَمَلُ أَنْ يُرَادَ بِهِ التَّنَفُّسُ فِي