للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَالصَّلَاةِ وَفِي الْآخِرَةِ الْحَمْدَلَةُ أَوْ غَيْرُهَا كَالِاسْتِغْفَارِ قَالَ: وَفَهِمَ بَعْضُهُمْ أَنَّ الْمُرَادَ بِاسْمِ اللَّهِ الْبَسْمَلَةُ حَتَّى فِي الْآخِرَةِ ; فَقَالَ: لَمْ يُشْتَهَرِ اخْتِتَامُ الْأَمْرِ بِاسْمِ اللَّهِ، وَهُوَ غَلَطٌ عَجِيبٌ قُلْتُ، وَكَذَا مَا اشْتُهِرَ أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كُلَّمَا كَانَ يَبْتَدِئُ الْكَلَامَ يَقُولُ بِسْمِ اللَّهِ، وَدَعْوَى الْغَالِبِيَّةِ مَمْنُوعَةٌ، وَإِنَّمَا الشَّارِعُ رَغَّبَ الْغَافِلِينَ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ فِي أَنَّهُ أَقَلُّ مَا يَكُونُ إِذَا ابْتَدَأَ بِأَمْرٍ ذِي بَالٍ لَا يَنْسَوْنَ ذِكْرَ الْمَلِكِ الْمُتَعَالِّ لِيَشْتَمِلَ بَرَكَتُهُ إِيَّاهُمْ فِي الْحَالِ، وَالْمَآلِ.

وَأَمَّا هُوَ بِنَفْسِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَمَا كَانَ غَمْضَةَ جَفْنٍ وَلَا طَرْفَةَ عَيْنٍ غَافِلًا عَنِ الْمَوْلَى ; فَكَلَامُهُ كُلُّهُ ذِكْرٌ، وَسُكُوتُهُ جَمِيعُهُ فِكْرٌ، وَحَالُهُ دَائِرٌ بَيْنَ صَبْرٍ، وَشُكْرٍ فِي كُلِّ حُلْوٍ وَمُرٍّ. وَفِي بَعْضِ النُّسَخِ الْمُصَحَّحَةِ بِأَشْدَاقِهِ جَمْعُ شِدْقٍ، وَهُوَ: طَرَفُ الْفَمِ، وَالْمُرَادُ بِالْجَمْعِ: مَا فَوْقَ الْوَاحِدِ، وَذَلِكَ لِأَنَّ ذَلِكَ الْبَيَانَ إِنَّمَا يَحْصُلُ بِرَحْبِ الشِّدْقَيْنِ بِخِلَافِ ضِدِّهِ ; فَإِنَّهُ لَا يَنْفَهِمُ مِنْهُ الْمَقْصُودُ كَمَا يُشَاهَدُ فِي كَلَامِ بَعْضِ أَرْبَابِ الرُّعُونَةِ بِخِلَافِ ضِدِّهِ ; فَإِنَّهُ لَا يَنْفَهِمُ مِنْهُ الْمَقْصُودُ كَمَا يُشَاهَدُ بَعْضُ أَرْبَابِ الرُّعُونَةِ، وَأَصْحَابُ الْكِبْرِ، وَالْخَدِيعَةِ حَيْثُ يَكْتَفُونَ بِأَدْنَى تَحْرِيكِ الشَّفَتَيْنِ، وَأَمَّا التَّشَدُّقُ الْمَذْمُومُ الْمَنْهِيُّ عَلَى مَا وَرَدَ فِي بَعْضِ الْأَحَادِيثِ، فَالْمُرَادُ مِنْهُ هُوَ أَنْ يَفْتَتِحَ فَاهُ، وَيَتَّسِعَ فِي الْكَلَامِ، وَيَتَكَلَّفَ فِي الْعِبَارَةِ مِنْ غَيْرِ قَصْدِ الْمَرَامِ.

وَالْحَاصِلُ أَنَّ كَلَامَهُ كَانَ وَسَطًا عَدْلًا خَارِجًا عَنْ طَرَفَيِ الْإِفْرَاطِ وَالتَّفْرِيطِ، مِنْ فَتْحِ كُلِّ الْفَمِ، وَالِاقْتِصَارِ عَلَى طَرَفِهِ الْقَلِيلِ الْقَاصِرِ عَنْ تَأْدِيَةِ الْمَقْصُودِ مِنَ الْأَحْكَامِ ; فَيَكُونُ بَيَانًا لِفَصَاحَةِ كَلَامِهِ عَلَيْهِ السَّلَامُ، وَأَمَّا الْقَوْلُ بِأَنَّ ذَلِكَ إِنَّمَا كَانَ لِرَحْبِ شِدْقَيْهِ، فَكَلَامُ مَنْ لَا يَفْهَمُ الْكَلَامَ (وَيَتَكَلَّمُ بِجَوَامِعِ الْكَلِمِ) الْجَوَامِعُ جَمْعُ جَامِعَةٍ، وَالْكَلِمُ بِفَتْحِ الْكَافِ، وَكَسْرِ اللَّامِ اسْمُ جِنْسٍ، وَيُؤَيِّدُهُ قَوْلُهُ تَعَالَى إِلَيْهِ يَصْعَدُ الْكَلِمُ الطَّيِّبُ وَقِيلَ جَمْعٌ حَيْثُ لَا يَقَعُ إِلَّا عَلَى الثَّلَاثِ، فَصَاعِدًا، وَالْكَلِمُ الطَّيِّبُ يُؤَوَّلُ بِبَعْضِ الْكَلِمِ كَذَا حَرَّرَهُ مَوْلَانَا نُورُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ الْجَامِيُّ - قُدِّسَ سِرُّهُ السَّامِي - لَكِنْ فِيهِ بَحْثٌ ظَاهِرٌ لِأَنَّ الصُّعُودَ غَيْرُ مُقَيَّدٍ بِبَعْضِ الطَّيِّبِ دُونَ بَعْضٍ.

ثُمَّ الْإِضَافَةُ فِي الْحَدِيثِ مِنْ قَبِيلِ إِضَافَةِ الصِّفَةِ إِلَى الْمَوْصُوفِ، وَالْمَعْنَى أَنَّهُ كَانَ يَتَكَلَّمُ بِأَلْفَاظٍ يَسِيرَةٍ مُتَضَمِّنَةٍ لِمَعَانٍ كَثِيرَةٍ فَقِيلَ هِيَ الْقُرْآنُ وَقَرَّرَهُ ابْنُ حَجَرٍ، وَغَيْرُهُ مِنَ الشُّرَّاحِ، وَلَا يَخْفَى أَنَّهُ غَيْرُ مُلَائِمٍ لِلْمَقَامِ، فَإِنَّهُ لَا يُقَالُ فِي وَصْفِ مَنْطِقِهِ أَنَّهُ كَانَ يَتَكَلَّمُ بِجَوَامِعِ الْكَلِمِ الَّتِي هِيَ الْقُرْآنُ، وَالْأَظْهَرُ أَنَّ الْمُرَادَ بِهَا أَعَمُّ ; فَإِنَّ الْمَدْحَ فِيهَا أَتَمُّ اللَّهُمَّ إِلَّا أَنْ يُقَالَ الْمُرَادُ أَنَّهُ كَانَ يَتَكَلَّمُ بِالْقُرْآنِ أَيْ: بِمَضْمُونِ مَا فِيهِ مِنْ مَبَانِيهِ، وَمَعَانِيهِ، فَلَا يَخْرُجُ كَلَامُهُ عَنْ طِبْقِ كَلَامِ رَبِّهِ فِي كُلِّ أَمْرِهِ، وَنَهْيِهِ، وَجَمِيعِ شَأْنِهِ، فَيَكُونُ نَظِيرَ قَوْلِ عَائِشَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - لَمَّا سُئِلَتْ عَنْ خُلُقِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَشَرَّفَ وَكَرَّمَ - «كَانَ خُلُقُهُ الْقُرْآنَ» أَيْ: كَانَ خُلُقُهُ أَنْ يَمْتَثِلَ قَوْلًا، وَفِعْلًا حُمِدَ فِيهِ، وَيَجْتَنِبَ عَنْ خُلُقٍ، وَحَالٍ ذُمَّ فِيهِ لِلتَّنْبِيهِ.

وَأَغْرَبَ شَارِحٌ، وَقَالَ فِي بَعْضِ النُّسَخِ بِأَشْدَاقِهِ بَدَلَ بِجَوَامِعِ الْكَلِمِ، وَوَجْهُ غَرَابَتِهِ أَنَّهُ مُخَالِفٌ لِأَقْوَالِ أَرْبَابِ الرِّوَايَةِ، وَأَصْحَابِ الدِّرَايَةِ، وَقَدْ جَمَعَ جَمْعٌ مِنَ الْأَئِمَّةِ مِنْ كَلَامِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - الْمُفْرَدِ الْمُوجَزِ الْبَدِيعَ أَحَادِيثَ كَثِيرَةً مِنْ حُسْنِ الصَّنِيعِ، فَاسْتَخَرْتُ اللَّهَ تَعَالَى فِي جَمْعِ أَرْبَعِينَ مِنْ هَذَا الْبَابِ أَذْكُرُهَا فِي شَرْحِ هَذَا الْكِتَابِ لِيَكُونَ مِنَ الشَّمَائِلِ مُشْتَمِلًا أَيْضًا عَلَى

الْأَرْبَعِينَ النَّوَوِيَّةِ، وَهُوَ الْمُوَفِّقُ، وَالْمُعِينُ مُلْتَزِمًا بِأَنْ يَكُونَ كُلُّ حَدِيثٍ يَتَضَمَّنُ بَدِيعَ حُكْمٍ، وَصَنِيعَ حُكْمٍ، اقْتِصَارًا وَتَحْقِيقًا لِمَا رَوَى أَبُو يَعْلَى فِي مَسْنَدِهِ عَنْهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أُعْطِيتُ جَوَامِعَ الْكَلِمِ، وَاخْتُصِرَ لِيَ الْكَلَامُ اخْتِصَارًا.

فَعَنْهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -:

(١) الْأَيْمَنُ، فَالْأَيْمَنُ رَوَاهُ الشَّيْخَانِ عَنْ أَنَسٍ (٢) الْإِيمَانُ يَمَانٍ. رَوَاهُ الشَّيْخَانِ عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ (٣) اخْبَرْ تَقْلَهْ رَوَاهُ أَبُو نُعَيْمٍ عَنْ أَبِي الدَّرْدَاءِ (٤) أَرْحَامَكُمْ أَرْحَامَكُمْ. ابْنُ حِبَّانَ عَنْ أَنَسٍ (٥) اشْفَعُوا تُؤْجَرُوا. ابْنُ عَسَاكِرَ عَنْ مُعَاوِيَةَ (٦) أَعْلِنُوا النِّكَاحَ. أَحْمَدُ عَنِ ابْنِ الزُّبَيْرِ (٧) أَكْرِمُوا الْخُبْزَ. الْبَيْهَقِيُّ عَنْ عَائِشَةَ (٨) الْزَمْ بَيْتَكَ. الطَّبَرَانِيُّ عَنِ ابْنِ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - (٩) تَهَادَوْا تَحَابُّوا. أَبُو يَعْلَى عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ (١٠) الْحَرْبُ خَدْعَةٌ. الشَّيْخَانِ عَنْ جَابِرٍ (١١) الْحُمَّى شَهَادَةٌ. الدَّيْلَمِيُّ عَنْ أَنَسٍ (١٢) الدِّينُ النَّصِيحَةُ. الْبُخَارِيُّ فِي تَارِيخِهِ عَنْ ثَوْبَانَ (١٣) سَدِّدُوا وَقَارِبُوا. الطَّبَرَانِيُّ عَنِ ابْنِ عُمَرَ (١٤) شِرَارُكُمْ عُزَّابُكُمْ. عَنْ عَدِيٍّ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ (١٥) الصَّبْرُ رِضًا. ابْنُ عَسَاكِرَ (١٦) الصَّوْمُ جُنَّةٌ. النَّسَائِيُّ عَنْ مُعَاذٍ (١٧) الطِّيَرَةُ شِرْكٌ. أَحْمَدُ عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ (١٨) الْعَارِيَةُ مُؤَدَّاةٌ. الْحَاكِمُ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ (١٩) الْعِدَةُ دَيْنٌ. الطَّبَرَانِيُّ عَنْ عَلِيٍّ (٢٠) الْعَيْنُ حَقٌّ الشَّيْخَانِ. عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ (٢١) الْغَنَمُ بَرَكَةٌ. أَبُو يَعْلَى عَنِ الْبَرَاءِ (٢٢) الْفَخْذُ عَوْرَةٌ. (٢٣) قَفْلَةٌ كَغَزْوَةٍ. أَحْمَدُ عَنِ ابْنِ عَمْرٍو (٢٤) قَيِّدْ وَتَوَكَّلْ. الْبَيْهَقِيُّ عَنْ عَمْرِو بْنِ أُمَيَّةَ (٢٥) الْكُبْرَ الْكُبْرَ. الشَّيْخَانِ عَنْ سَهْلِ بْنِ أَبِي حَلِيمَةَ (٢٦) مَوَالِينَا مِنَّا. الطَّبَرَانِيُّ عَنِ ابْنِ عُمَرَ (٢٧) الْمُؤْمِنُ مُكَفِّرٌ.

<<  <  ج: ص:  >  >>