بِفَتْحِ التَّاءِ وَيُكْسَرُ أَيْ مَجْمَعِ الْكَتِفَيْنِ وَهُوَ الْكَاهِلُ أَيْ عَظِيمُ ذَلِكَ كُلِّهِ، وَهُوَ يَدُلُّ عَلَى غَايَةِ الْقُوَّةِ وَفَخَامَةِ الشَّجَاعَةِ. (أَجْرَدَ) : أَيْ هُوَ أَجْرَدُ أَيْ غَيْرُ أَشْعَرَ، وَهُوَ مَنْ عَمَّ الشَّعْرُ جَمِيعَ بَدَنِهِ، فَالْأَجْرَدُ مَنْ لَمْ يَعُمَّهُ الشَّعْرُ فَيَصْدُقُ بِمَنْ فِي بَعْضِ بَدَنِهِ شَعْرٌ كَالْمَسْرُبَةِ وَالسَّاعِدَيْنِ وَالسَّاقَيْنِ وَقَدْ كَانَ لَهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي ذَلِكَ شَعْرٌ، فَوَصْفُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِهِ بِاعْتِبَارِ أَكْثَرِ مَوَاضِعِهِ إِمَّا بِجَعْلِ الْأَكْثَرِ فِي حُكْمِ الْكُلِّ أَوْ تَغْلِيبِ مَا لَا شَعْرَ لَهُ عَلَى مَا لَهُ شَعْرٌ، قَالَ الْعِصَامُ: وَمَنْ قَالَ أَنَّهُ جَاءَ أَجْرَدَ، بِمَعْنَى صَغِيرِ الشَّعْرِ، فَيُمْكِنُ أَنْ يَكُونَ الْغَرَضُ وَصْفُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِصِغَرِ شَعْرِ بَدَنِهِ، فَفِيهِ أَنَّهُ مَعَ أَنَّهُ لَا يَصِحُّ فِي شَعْرِ الرَّأْسِ وَاللِّحْيَةِ وَالْأَهْدَابِ وَالْحَاجِبَيْنِ يَرُدُّهُ مَا فِي الْقَامُوسِ أَنَّ الْأَجْرَدَ إِذَا جُعِلَ وَصْفًا لِلْفَرَسِ كَانَ بِمَعْنَى صِغَرِ شَعْرِهِ، وَأَمَّا إِذَا جُعِلَ وَصْفًا لِلرَّجُلِ فَمَعْنَاهُ أَنَّهُ لَا شَعْرَ عَلَيْهِ، انْتَهَى. وَقِيلَ أَجْرَدُ أَيْ لَيْسَ فِيهِ غِلٌّ وَلَا غِشٌّ فَهُوَ عَلَى أَصْلِ الْفِطْرَةِ فَنُورُ الْإِيمَانِ يُزْهِرُ فِيهِ وَفِيهِ أَنَّهُ بِإِشَارَاتِ الصُّوفِيَّةِ أَشْبَهُ. (ذُو مَسْرُبَةٍ شَثْنُ الْكَفَّيْنِ وَالْقَدَمَيْنِ) : مَرَّ الْكَلَامُ عَلَيْهِمَا. (إِذَا مَشَى تَقَلَّعَ) : جُمْلَةٌ مُسْتَقِلَّةٌ عَلَى طَرِيقِ التَّعْدِيدِ، وَقَوْلُهُ. (كَأَنَّمَا يَنْحَطُّ) : فِي مَوْقِعٍ الْبَيَانِ لِلْجَزَاءِ يُقَالُ تَقَلَّعَ فِي مَشْيِهِ إِذَا كَانَ كَأَنَّهُ يُقْلِعُ رِجْلَهُ مِنْ رَجَلَ إِذَا أَرَادَ قُوَّةَ مَشْيِهِ كَأَنَّهُ يَرْفَعُ رِجْلَيْهِ مِنَ الْأَرْضِ رَفْعًا بَائِنًا لَا كَمَنْ مَشَى اخْتِيَالًا وَيُقَارِبُ خُطَاهُ فَإِنَّ ذَلِكَ مِنْ مَشْيِ النِّسَاءِ، فَالتَّقَلُّعُ قَرِيبٌ مِنَ التَّكَفِّي وَقَدْ سَبَقَ، وَفِي بَعْضِ النُّسَخِ كَمَا فِي رِوَايَةٍ عَنِ التِّرْمِذِيِّ يَمْشِي بَدَلَ يَنْحَطُّ، وَقَوْلُهُ. (فِي صَبَبٍ) : قِيلَ بِمَعْنَى مِنْ صَبَبٍ كَمَا فِي رِوَايَةٍ وَلِأَنَّهُ بِالتَّقَلُّعِ أَنْسَبُ، وَيَجُوزُ وُقُوعُ قِيَامِ بَعْضِ حُرُوفِ الْجَرِّ مَقَامَ بَعْضٍ، ثُمَّ الظَّاهِرُ أَنَّ مِنْ هُنَا ابْتِدَائِيَّةٌ، وَالْأَظْهَرُ أَنَّ فِي ظَرْفِيَّةٌ إِذْ هِيَ مُنَاسِبَةٌ لِلِانْحِطَاطِ كَمَا لَا يَخْفَى. (وَإِذَا الْتَفَتَ الْتَفَتَ مَعًا) : أَيْ جَمِيعًا يَعْنِي أَنَّهُ لَا يُسَارِقُ النَّظَرَ، وَقِيلَ أَرَادَ أَنَّهُ لَا يَلْوِي عُنُقَهُ يَمْنَةً وَيَسْرَةً إِذَا نَظَرَ إِلَى الشَّيْءِ وَإِنَّمَا يَفْعَلُ ذَلِكَ الطَّائِشُ الْخَفِيفُ وَلَكِنْ كَانَ يُقْبِلُ جَمِيعًا إِظْهَارًا لِلِاهْتِمَامِ بِشَأْنِ مَنْ أَقْبَلَ إِلَيْهِ وَيُدْبِرُ جَمِيعًا بَعْدَ مَا قَضَى حَاجَتَهُ عَنْهُ، وَحَاصِلُهُ أَنَّهُ إِذَا تَوَجَّهَ إِلَى إِنْسَانٍ لِلتَّكَلُّمِ أَوْ غَيْرِهِ يَلْتَفِتُ إِلَيْهِ بِجَمِيعِهِ وَلَا يَتَوَجَّهُ إِلَيْهِ بِلَيِّ الْعُنُقِ لِأَنَّهُ فِعْلُ الْمُخْتَالِينَ، قِيلَ وَلَعَلَّ الْمَعْنَى الْأَخِيرَ أَظْهَرُ لِمَا سَيَأْتِي فِي وَصْفِهِ «جُلُّ نَظَرِهِ الْمُلَاحَظَةُ» أَيِ النَّظَرُ بِلِحَاظِ الْعَيْنِ. (بَيْنَ كَتِفَيْهِ خَاتَمُ النُّبُوَّةِ) : بِفَتْحِ التَّاءِ وَكَسْرِهَا مَا يُخْتَمُ بِهِ الْأَوَّلُ اسْمٌ وَالثَّانِي صِفَةٌ فَعَبَّرَ عَنِ الْآلَةِ بِاسْمِ الْفَاعِلِ وَإِضَافَتُهُ إِلَى النُّبُوَّةِ لِأَنَّهُ خُتِمَ بِهِ بَيْتُ النُّبُوَّةِ حَتَّى لَا يَدْخُلَ بَعْدَهُ أَحَدٌ، وَقِيلَ لِأَنَّهُ عَلَامَةُ تَمَامِهَا لِأَنَّ الشَّيْءَ يُخْتَمُ بَعْدَ تَمَامِهِ - وَسَيَأْتِي مَزِيدُ الْكَلَامِ عَلَيْهِ -، وَهُوَ جُمْلَةٌ مِنْ غَيْرِ عَطْفٍ عَلَى مَا قَبْلَهَا لِعَدَمِ الْمُنَاسَبَةِ بَيْنَهُمَا، وَقَوْلُهُ
(وَهُوَ خَاتَمُ النَّبِيِّينَ) : يُحْتَمَلُ أَنْ تَكُونَ جُمْلَةً حَالِيَّةً مُكَمِّلَةً لِمَا قَبْلَهَا وَأَنْ تَكُونَ مَعْطُوفَةً عَلَى مَا قَبْلَهَا لِوُجُودِ الْمُنَاسَبَةِ، وَهُوَ كَالْخَاتَمِ الْمَذْكُورِ لَفْظًا وَمَعْنًى أَيْ خَاتَمُ نُبُوَّةِ النَّبِيِّينَ بِمَعْنَى عَلَامَةِ تَمَامِهَا أَوْ عَلَامَةِ الْوُثُوقِ بِالنُّبُوَّةِ أَوْ خَاتِمِ بَيْتِ نُبُوَّتِهِمْ، وَالْحَاصِلُ أَنَّ كَسْرَ التَّاءِ بِمَعْنَى أَنَّهُ خَتَمَهُمْ أَيْ جَاءَ آخِرَهُمْ فَلَا نَبِيَّ بَعْدَهُ أَيْ لَا يُتَنَبَّأُ أَحَدٌ بَعْدَهُ فَلَا يُنَافِي نُزُولَ عِيسَى عَلَيْهِ السَّلَامُ مُتَابِعًا لِشَرِيعَتِهِ مُسْتَمِدًّا مِنَ الْقُرْآنِ وَالسُّنَّةِ، وَأَمَّا فَتْحُ التَّاءِ فَمَعْنَاهُ أَنَّهُمْ بِهِ خُتِمُوا فَهُوَ الطَّابَعُ وَالْخَاتَمُ لَهُمْ. (أَجْوَدُ النَّاسِ صَدْرًا) : جَعَلَ صَدْرَهُ أَجْوَدَ لِأَنَّ الْجُودَ فَرْعُ انْشِرَاحِ الصَّدْرِ وَالصَّدْرُ مَحَلُّ الْقَلْبِ الَّذِي فِيهِ الْجُودُ فَيَكُونُ مِنْ تَسْمِيَةِ الشَّيْءِ بِاسْمِ مَحَلِّهِ أَوْ مُجَاوَرِهِ، وَالْمَعْنَى أَجْوَدُ النَّاسِ قَلْبًا
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute