وسلم - وَالْوَلِيِّ عَلَيْهِ وَاللَّهُ أَعْلَمُ
(حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارٍ حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الْأَسْوَدُ) بِتَكْرَارِ مُحَمَّدٍ عَلَى الصَّوَابِ (عَنْ عَامِرِ بْنِ سَعْدٍ) أَيِ: ابْنِ أَبِي وَقَّاصٍ الزُّهْرِيِّ الْقُرَشِيِّ سَمِعَ أَبَاهُ، وَعُثْمَانَ وَغَيْرَهُ، وَعَنْهُ الزُّهْرِيُّ
وَغَيْرُهُ مَاتَ سَنَةَ أَرْبَعٍ وَمِائَةٍ، ذَكَرَهُ صَاحِبُ الْمِشْكَاةِ فِي التَّابِعِينَ (قَالَ: قَالَ سَعْدٌ) هُوَ أَحَدُ الْعَشْرَةِ الْمُبَشَّرَةِ بِالْجَنَّةِ أَسْلَمَ قَدِيمًا، وَهُوَ ابْنُ سَبْعَ عَشْرَةَ، وَقَالَ: كُنْتُ ثَالِثَ الْإِسْلَامِ، وَأَنَا أَوَّلُ مَنْ رَمَى بِسَهْمٍ فِي سَبِيلِ اللَّهِ، وَسَيَأْتِي بَقِيَّةُ تَرْجَمَةٍ لَهُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ (لَقَدْ رَأَيْتُ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ضَحِكَ يَوْمَ الْخَنْدَقِ) كَجَعْفَرٍ حَفِيرٌ حَوْلَ أَسْوَارِ الْمَدِينَةِ مُعَرَّبُ كِنْدَةَ عَلَى مَا فِي الْقَامُوسِ (حَتَّى بَدَتْ نَوَاجِذُهُ قَالَ) أَيْ: عَامِرٌ عَلَى مَا ذَهَبَ إِلَيْهِ الْحَنَفِيُّ، وَالْعِصَامُ، وَابْنُ حَجَرٍ، وَقَالَ مِيرَكُ: فَاعِلُهُ مُحَمَّدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ الْأَسْوَدِ، وَالْأَوَّلُ أَظْهَرُ لِكَوْنِهِ أَقْرَبَ، وَأَنْسَبَ (قُلْتُ) لِسَعْدٍ أَوْ لِعَامِرٍ (كَيْفَ) وَفِي بَعْضِ النُّسَخِ كَيْفَ كَانَ أَيْ: عَلَى أَيِّ حَالٍ كَانَ ضَحِكُهُ فِي ذَلِكَ الْيَوْمِ (قَالَ) أَيْ: سَعْدٌ أَوْ عَامِرُ بْنُ سَعْدٍ.
وَقَالَ مِيرَكُ: وَكَأَنَّهُ نَقَلَ كَلَامَ أَبِيهِ بِالْمَعْنَى، وَبُعْدَهُ لَا يَخْفَى كَمَا سَنُبَيِّنُهُ بَعْدُ (كَانَ رَجُلٌ مَعَهُ تُرْسٌ) الْجُمْلَةُ خَبَرُ كَانَ (وَكَانَ سَعْدٌ رَامِيًا) إِنْ كَانَ الضَّمِيرُ فِي قَالَ الثَّانِي لِعَامِرٍ ; فَلَا إِشْكَالَ غَيْرَ أَنَّهُ عَبَّرَ عَنْهُ بِاسْمِهِ، وَلَمْ يَقُلْ أَبِي، وَمِثْلُهُ كَثِيرٌ فِي أَسَانِيدِ الصَّحَابَةِ، وَإِنْ كَانَ لِسَعْدٍ ; فَهُوَ مِنَ النَّقْلِ بِالْمَعْنَى أَوْ مِنْ قَبِيلِ الِالْتِفَاتِ مِنَ التَّكَلُّمِ إِلَى الْغَيْبَةِ (وَكَانَ) قِيلَ هَذَا مِنْ كَلَامِ سَعْدٍ عَلَى كُلِّ تَقْدِيرٍ أَيْ: وَكَانَ الرَّجُلُ الْمَذْكُورُ (يَقُولُ) أَيْ: يَفْعَلُ (كَذَا وَكَذَا بِالتُّرْسِ) أَيْ: يُشِيرُ يَمِينًا، وَشِمَالًا (يُغَطِّي جَبْهَتَهُ) أَيْ: حَذَرًا عَنِ السَّهْمِ، وَهُوَ اسْتِئْنَافٌ بَيَانًا لِلْإِشَارَةِ ذَكَرَهُ مِيرَكُ، وَالْأَظْهَرُ أَنَّهُ حَالٌ مِنْ فَاعِلِ يَقُولُ قَالَ صَاحِبُ النِّهَايَةِ: وَالْعَرَبُ تَجْعَلُ الْقَوْلَ عِبَارَةً عَنْ جَمِيعِ الْأَفْعَالِ، وَتُطْلِقُهُ عَلَى غَيْرِ الْكَلَامِ وَاللِّسَانِ، فَتَقُولُ: قَالَ بِيَدِهِ أَيْ: أَخَذَهُ، وَقَالَ: بِرِجْلِهِ أَيْ: مَشَى وَقَالَتْ بِهِ الْعَيْنَانِ سَمْعًا وَطَاعَةً أَيْ: أَوْمَأَتْ بِهِ وَقَالَ بِالْمَاءِ عَلَى يَدِهِ أَيْ: قَلَبَهُ، وَقَالَ: بِثَوْبِهِ أَيْ: رَفَعَهُ وَقَالَ: بِالتُّرْسِ أَيْ: أَشَارَ وَقَلَبَ، وَقِسْ عَلَى هَذِهِ الْمُذْكُورَاتِ غَيْرَهَا انْتَهَى.
وَقَدْ غَفَلَ الْحَنَفِيُّ عَنْ هَذَا الْمَعْنَى، وَقَالَ: فِي قَوْلِهِ يَقُولُ كَذَا وَكَذَا أَيْ: مَا لَا يُنَاسِبُ لِجَنَابِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَلَا لِأَصْحَابِهِ، وَبِالتُّرْسِ مُتَعَلِّقٌ بِيُغَطِّي (فَنَزَعَ لَهُ سَعْدٌ) سَبَقَ بَحْثُهُ (بِسَهْمٍ) الْبَاءُ زَائِدَةٌ أَيْ: أَخْرَجَ، وَمَدَّ لَهُ سَعْدٌ سَهْمًا مُنْتَظِرًا كَشْفَ جَبْهَتِهِ.
(فَلَمَّا رَفَعَ) .
أَيِ: الرَّجُلُ (رَأْسَهُ) أَيْ: مِنْ تَحْتِ التُّرْسِ ; فَظَهَرَتْ جَبْهَتُهُ؛ (رَمَاهُ فَلَمْ يُخْطِئْ) بِضَمٍّ فَسُكُونٍ، فَهَمْزٍ وَفِي نُسْخَةٍ بِفَتْحِ أَوَّلِهِ وَضَمِّ طَائِهِ مِنْ غَيْرِ هَمْزٍ، وَقَالَ الْعِصَامُ: وَفِي بَعْضِ النُّسَخِ بِصِيغَةِ الْمَعْلُومِ مِنَ الْخَطَاءِ عَلَى أَنَّهُ بِمَعْنَى الْإِخْطَاءِ أَيْ: لَمْ يَتَجَاوَزْ، وَلَمْ يَتَعَدَّ (هَذِهِ) أَيْ: جَبْهَتَهُ (مِنْهُ) أَيْ: مِنَ السَّهْمِ بَلْ أَصَابَهَا، وَفِيهِ نَوْعٌ مِنْ قَلْبٍ نَحْوُ عَرَضْتُ النَّاقَةَ عَلَى الْحَوْضِ.
وَقَوْلُهُ (يَعْنِي جَبْهَتَهُ) كَلَامُ عَامِرٍ أَوْ مَنْ قَبْلَهُ، وَالْمَعْنَى أَنَّ سَعْدًا يَعْنِي أَيْ: يُرِيدُ بِقَوْلِهِ هَذِهِ الْجَبْهَةَ هَذَا خُلَاصَةُ الْمَرَامِ فِي هَذَا الْمَقَامِ، وَقَدْ أَطْنَبَ الْحَنَفِيُّ، وَجَمَعَ بَيْنَ السَّمِينِ، وَالْهُزَالِ مِنَ الْكَلَامِ، فَتَأَمَّلْ لِئَلَّا تَقَعَ فِي الظَّلَامِ حَيْثُ قَالَ: وَفِي النِّهَايَةِ أَخْطَأَ يُخْطِئُ إِذَا سَلَكَ سَبِيلَ الْخَطَاءِ عَمْدًا أَوْ سَهْوًا، وَيُقَالُ خَطَأَ يَعْنِي أَخْطَأَ أَيْضًا، وَقِيلَ خَطَأَ إِذَا تَعَمَّدَ، وَأَخْطَأَ إِذَا لَمْ يَتَعَمَّدْ وَيُقَالُ لِمَنْ أَرَادَ شَيْئًا، فَفَعَلَ غَيْرَهُ أَوْ فَعَلَ غَيْرَ الصَّوَابِ أَخْطَأَ انْتَهَى. كَلَامُهُ إِذَا عَرَفْتَ هَذَا فَنَقُولُ ; فَلَمْ يُخْطِئْ عَلَى صِيغَةِ
الْمَعْلُومِ مِنَ الْإِخْطَاءِ أَيْ: لَمْ تُخْطِئْ هَذِهِ الرَّمْيَةُ مِنْهُ أَيْ: مِنَ الرَّجُلِ عَلَى حَذْفِ الْمُضَافِ كَمَا أَشَارَ إِلَيْهِ بِقَوْلِهِ يَعْنِي جَبْهَتَهُ، وَفِي بَعْضِ النُّسَخِ فَلَمْ يُخْطَئْ عَلَى صِيغَةِ الْمَجْهُولِ، وَيُمْكِنُ أَنْ يَكُونَ مِنَ الْخَطَاءِ وَالْإِخْطَاءِ،
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute