للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

قَالَ) أَيِ: الْحَسَنُ نَاقِلًا (فَوَلَّتْ) بِتَشْدِيدِ اللَّامِ أَيْ: أَدْبَرَتْ، وَذَهَبَتْ (تَبْكِي) حَالٌ مِنْ فَاعِلِ وَلَّتْ أَيْ: ذَهَبَتْ حَالَ كَوْنِهَا بَاكِيَةً (فَقَالَ: أَخْبِرُوهَا أَنَّهَا لَا تَدْخُلُهَا) سَدَّ مَسَدَّ ثَانِي وَثَالِثِ مَفَاعِيلِ

أَخْبِرُوهَا (وَهِيَ عَجُوزٌ) حَالٌ أَيْ: أَنَّهَا لَا تَدْخُلُ الْجَنَّةَ حَالَ كَوْنِهَا عَجُوزًا بَلْ تَدْخُلُهَا شَابَّةً بِجَعْلِهِ تَعَالَى إِيَّاهَا كَذَلِكَ.

وَاعْلَمْ أَنَّ ضَمِيرَ «أَخْبِرُوهَا» رَاجِعٌ إِلَيْهَا قَطْعًا، وَأَمَّا ضَمِيرُ «أَنَّهَا» يُحْتَمَلُ أَنْ يَرْجِعَ إِلَيْهَا وَغَيْرِهَا، يُعْلَمُ بِالْمُقَايَسَةِ لَكِنْ يَلْزَمُ مِنْهُ أَنْ تَكُونَ مُبَشَّرَةً بِالْجَنَّةِ، وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ رَاجِعًا إِلَى جِنْسِ الْعَجُوزِ الدَّالِّ عَلَيْهِ قَوْلُهُ: «إِنَّ الْجَنَّةَ لَا تَدْخُلُهَا عَجُوزٌ» وَهُوَ الْأَظْهَرُ، وَإِنْ قَالَ بِبُعْدِهِ ابْنُ حَجَرٍ فَتَدَبَّرْ، عَلَى أَنَّ ضَمِيرَ «إِنَّهَا» قَابِلَةٌ بِأَنْ تُجْعَلَ لِلْقِصَّةِ وَضَمِيرَ الْفَاعِلِ فِي «لَا تَدْخُلُهَا» لِجِنْسِ الْعَجُوزِ وَلَا يَأْبَاهُ قَوْلُهُ وَهِيَ عَجُوزٌ لِأَنَّ الْمَعْنَى لَا تَدْخُلُهَا بَاقِيَةً عَلَى وَصْفِ الْعُجُوزِيَّةِ وَاللَّهُ أَعْلَمُ.

وَلِبَعْضِ الشُّرَّاحِ هُنَا كَلَامٌ يَمُجُّهُ السَّمْعُ ; فَامْتَنَعَ مِنْ ذِكْرِهِ الطَّبْعُ (إِنَّ اللَّهَ تَعَالَى) اسْتِئْنَافٌ مُتَضَمِّنٌ لِلْعِلَّةِ (يَقُولُ) أَيْ: فِي كِتَابِهِ (إِنَّا أَنْشَأْنَاهُنَّ إِنْشَاءً) الضَّمِيرُ لَمَّا دَلَّ عَلَيْهِ سِيَاقُ السَّابِقِ فِي الْآيَةِ، وَهُوَ فُرُشٌ مَرْفُوعَةٌ، وَالْمُرَادُ النِّسَاءُ أَيْ: أَعَدْنَا إِنْشَاءَهُنَّ إِنْشَاءً خَاصًّا، وَخَلَقْنَاهُنَّ خَلْقًا غَيْرَ خَلْقِهِنَّ (فَجَعَلْنَاهُنَّ أَبْكَارًا) أَيْ: عَذَارَى كُلَّمَا أَتَاهُنَّ أَزْوَاجُهُنَّ وَجَدُوهُنَّ أَبْكَارًا، وَفِي نُسْخَةٍ زِيَادَةُ: «عُرُبًا أَتْرَابًا» ، وَالْعُرُبُ بِضَمَّتَيْنِ وَيُسَكَّنُ الثَّانِي: جَمْعُ عَرُوبٍ كَرُسُلٍ وَرَسُولٍ أَيْ: عَوَاشِقَ، وَمُحَبَّبَاتٍ إِلَى أَزْوَاجِهِنَّ، وَقِيلَ الْعَرُوبُ الْمَلَقَةُ، وَالْمَلَقُ: الزِّيَادَةُ فِي التَّوَدُّدِ، وَقِيلَ الْغُنْجَةُ، وَالْغُنْجُ فِي الْجَارِيَةِ تَكَسُّرٌ وَتَذَلُّلٌ، وَقِيلَ الْحَسَنَةُ الْكَلَامُ، وَأَمَّا الْأَتْرَابُ فَمُسْتَوِيَاتُ السِّنِّ بَنَاتُ ثَلَاثِينَ سَنَةً وَأَزْوَاجُهُنَّ كَذَلِكَ كَذَا فِي الْمَدَارِكِ وَقِيلَ بَنَاتُ ثَلَاثِينَ سَنَةً إِذْ هَذَا أَكْمَلُ أَسْنَانِ نِسَاءِ الدُّنْيَا. وَفِي الْحَدِيثِ. هُنَّ اللَّوَاتِي قُبِضْنَ فِي دَارِ الدُّنْيَا عَجَائِزَ خَلَقَهُنَّ اللَّهُ بَعْدَ الْكِبَرِ ; فَجَعَلَهُنَّ عَذَارَى مُتَعَشِّقَاتٍ عَلَى مِيلَادٍ وَاحِدٍ أَفْضَلَ مِنَ الْحُورِ الْعِينِ كَفَضْلِ الظِّهَارَةِ عَلَى الْبِطَانَةِ، وَمَنْ يَكُونُ لَهَا أَزْوَاجٌ ; فَتَخْتَارُ أَحْسَنَهُمْ خُلُقًا، الْحَدِيثُ فِي الطَّبَرَانِيِّ وَجَامِعِ التِّرْمِذِيِّ مُطَوَّلًا، وَقَدْ أَخْرَجَ أَبُو الشَّيْخِ ابْنُ حِبَّانَ فِي كِتَابِ أَخْلَاقِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِسَنَدِهِ إِلَى مُجَاهِدٍ قَالَ: دَخَلَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَلَى عَائِشَةَ وَعِنْدَهَا عَجُوزٌ فَقَالَ مَنْ هَذِهِ فَقَالَتْ هِيَ عَجُوزٌ مِنْ أَخْوَالِي فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِنَّ الْعُجُزَ بِضَمَّتَيْنِ جَمْعُ عَجُوزٍ لَا يَدْخُلْنَ الْجَنَّةَ ; فَشَقَّ ذَلِكَ عَلَى الْمَرْأَةِ ; فَلَمَّا دَخَلَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَتْ: لَهُ عَائِشَةُ لَقَدْ لَقِيَتْ مِنْ كَلِمَتِكَ مَشَقَّةً وَشِدَّةً فَقَالَ: إِنَّ اللَّهَ - عَزَّ وَجَلَّ -

<<  <  ج: ص:  >  >>